أود تفسير الطريقة التي يفكر بها معظم خبراء الاقتصاد الحديث فيما يتعلق بإعادة توزيع الثروة. إذا قمت بمناقشة موضوع الرعاية أو الضرائب أو عدم المساواة مع خبير اقتصادي، ستكون ملزما بالتطرق إلى مفهوم يدعى مقايضة الإنصاف بالكفاءة. وهي فكرة أن هنالك مقايضة أساسية بين حجم الفطيرة الاقتصادية والتوزيع المتساوي للفطيرة المذكورة. افترض أنك شخص غني جدا. ولديك ثروة تقدر بحوالي 50 مليار دولار، رغم أنها تتقلب يوما بعد يوم تبعا للأسواق المالية. لكن حتى لو تعرضت الأسواق لهبوط أو تراجع، سيكون لا يزال لديك ما يكفي لشراء أي شيء تريده تقريبا- القصور والطائرات الخاصة واليخوت الفاخرة. بإمكانك تقديم مئات الملايين دعما لقضايا سياسية أو للجامعات أو للجمعيات الخيرية سنويا دون أن يضير هذا إجمالي ثروتك. الآن، افترض أنه جاء أحد قراصنة الكمبيوتر ليسرق 10 آلاف دولار من أحد حساباتك الاستثمارية. ما لم يكن لديك محاسب حريص جدا، ربما لن تلحظ حتى تلك السرقة. الفرق الذي يمكن أن تحدثه السرقة في قوتك الشرائية سوف يكون ضئيلا للغاية. والخسارة لن تكون أكثر مما تعاني منه تقريبا مئات المرات يوميا جراء التحركات العشوائية في الأسواق. الآن، افترض أن ذلك الشخص الذي اخترق بياناتك، بحسب تقليد روبن هود (الذي كان يسرق من الأغنياء ليعطي للفقراء)، قرر إعطاء المال المسروق الذي يبلغ 10 آلاف دولار لرجل فقير في أحد الأحياء الفقيرة في بالتيمور. إن هذا المبلغ ربما يعادل ما يكسبه ذلك الرجل الفقير في السنة الواحدة. فجأة، يتضاعف راتبه السنوي ويتراجع إلى حد كبير الخطر الذي يهدده بالتشرد بلا مأوى. بإمكانه حتى استخدام ذلك المال للانضمام لبعض صفوف الدراسة المسائية واكتساب مستقبل أفضل لنفسه، إذا أراد. بعبارة أخرى، يحقق مبلغ ال 10 آلاف دولار فرقا ضئيلا لا يذكر لرفاه الملياردير، لكنه يشكل فرقا ضخما لرفاهية الرجل العادي الفقير في الولاياتالمتحدة- ناهيك عن الرجل العادي الفقير في الهند أو نيجيريا. هذا الاختلاف في القيمة الهامشية للثروة- قيمة كل دولار إضافي- يعتبر جزءا رئيسيا من علم الاقتصاد الحديث. حيث إنه يبرز نظرية الخطر لدينا ونظريات العمل وأوقات الفراغ أيضا. لكن تترتب عليه تبعات تتعلق بالأمور التي نعتبرها من الرفاهية الإنسانية- إجمالي رفاهية الجنس البشري كله، أو بلد بعينه. إن مبلغا معينا من الدولارات يوجد المزيد من الرفاهية في أيدي الفقراء أكثر منه في أيدي الأغنياء. لذلك، هل ينبغي فقط علينا إعادة توزيع كل الثروة حتى يكون لكل شخص حصة متساوية؟ حتى إن كنت ترى أن هذا الأمر مقبول أخلاقيا، سيكون لديك سبب وجيه للحرص وتوخي الحذر. السبب هو أنه على الرغم من أن الأغنياء قد لا يلحظون حالة أو حالتين من السرقات "العشوائية" من حساباتهم المصرفية، إلا أنهم سيلحظون بالتأكيد الاقتطاعات "المنتظمة" من ثرواتهم من قبل الحكومة. بالطبع، هذه الاقتطاعات المنتظمة تسمى الضرائب. عندما تفرض الضرائب على الناس، فأنت عادة تجعلهم يقللون مقدار العمل اللازم للحصول على المال الذي سيكون خاضعا للضريبة. وهذا غير صحيح دائما- إذا فرضت ضرائب على عمل الناس، فإنهم ربما يعملون بشكل أقل بسبب القيمة المتناقصة لساعة العمل، أو أنهم قد يعملون بشكل أكبر لأنهم سيصبحون أكثر فقرا بعد اقتطاع الضرائب. لكن بشكل عام، فرض الضرائب يخفض النشاط الاقتصادي. وفرض الضرائب على الاستثمار بخفض الاستثمارات، وفرض الضرائب على الاستهلاك يخفض الاستهلاك. فقط عدد قليل من أنواع الضرائب لا تؤدي إلى حدوث خفض في الناتج الاقتصادي. أحد الأمثلة هو فرض الضرائب على الأراضي- حيث إن حجم الأرض ثابت، ويمكنك فرض الضريبة عليها دون أن تخشى تراجُع العرض. وحتى في هذه الحالة، ينبغي عليك أن تكون حذرا جدا في كيفية فصل قيمة الأرض عن قيمة التطوير البشري لتلك الأرض (أي إقامة إنشاءات عليها)، الذي يمكن أن ينخفض كاستجابة للضرائب المفروضة. على أية حال، الرسالة الأساسية هي أنه كلما زادت الحكومة من محاولاتها في نقل الدخل بين الناس (من الأغنياء إلى الفقراء)، يقل إجمالي الدخل المتوافر للتوزيع. كلما ازداد العدل في المجتمع، فإنه يصبح أقل فقرا. وهذا أحيانا يعرف بالعامية بعبارة «دلو أوكون»، على اسم الخبير الاقتصادي آرثر أوكون، الذي شبه ذات مرة عملية إعادة التوزيع بتحريك الثروة من شخص إلى آخر باستخدام دلو راشح. تحاول نقل بعضه من مكان إلى آخر، لكنك أثناء ذلك تفقد بعضه بسبب التسريب. أتاحت الآليات التجريبية الحديثة للخبراء الاقتصاديين فرصة الحصول على فكرة أفضل عن حجم التسريبات في الدلو. على سبيل المثال، يبحث مقال جديد بقلم ناثانيل هيندرين مؤخرا في المزايا الضريبية للدخل المكتسب، وكوبونات الطعام، والقسائم السكنية. ويرى أنه مقابل كل دولار يجري إعادة توزيعه من الأغنياء إلى الفقراء من خلال تلك البرامج، يتسرب منها ما بين 34 سنتا إلى 56 سنتا. هذه هي الطريقة التي يفكر فيها الخبراء الاقتصاديون عندما ينظرون في برامج إعادة التوزيع كتلك التي ذكرت مسبقا. فهم لا يأخذون بعين الاعتبار عادة المسائل الأخلاقية، مثل ما إذا كان يحق للحكومة من الناحية الأخلاقية أن تقوم بمصادرة دخل شخص ما من أجل إعطائه لشخص آخر. بالتالي علماء الاقتصاد يتركون المسائل المتعلقة بالأخلاق والإنصاف للفلاسفة والسياسيين. فهم يركزون في الغالب على محاولة وضع إطار كمي للمقايضة بين المساواة والكفاءة. بالنسبة لكثير من الاقتصاديين، تبدو هذه الطريقة على أنها أكثر طريقة موضوعية للتعامل مع مسائل إعادة توزيع الثروة.