ابحثوا وسوف تجدون ما تسعون إليه. أو لعلكم لن تجدوا شيئا. هذه هي الرسالة الجديدة من عالم النفط. البحث عن النفط والغاز يكلف المال الكثير، لكنه في النهاية ضروري إذا كان عملك يقوم على ضخ النفط وبيعه يوما بعد يوم. لكن أحيانا تكون الأعمال سيئة إلى درجة أنك لا تريد في الواقع أن تذهب بحثا عن النفط. الوقت الحاضر هو أحد هذه الأوقات العصيبة. حين يؤدي فائض العرض إلى انهيار أسعار النفط، فمن الصعب أن تبرر إنفاق مليارات الدولارات من أجل العثور على المزيد من النفط أكثر مما هو موجود في السوق، خصوصا في المناطق الصعبة القاسية. وهذا هو السبب وراء القرارات الأخيرة التي اتخذتها كل من رويال داتش شل الهولندية وشتات أويل النرويجية بالتوقف عن التنقيب عن النفط في أقاصي منطقة ألاسكا. جميع شركات النفط الكبرى تقلص الآن من أعمال التنقيب والاستكشاف. وهذا يشبه أن تتوقف جوجل وأبل عن الأبحاث والتطوير. بعبارة أخرى، عالم الطاقة في سبيله إلى اكتشاف ماذا سيحدث حين لا يظهر شيء مكافئ لنسخة الآيفون المقبلة على أرفف المتاجر. شعار الشركات الكبيرة حول بيانات أرباح الربع الثالث كان ما يلي: شراء الأسهم واعادتها إلى المساهمين أمر جيد، والإنفاق سيئ. بصورة جماعية، هناك 8 شركات نفط كبرى - وهي إكسون موبيل، وشيفرون، وشل، وبريتش بتروليوم، وتوتال، وكونوكو فيليبس، وإيني، وشتات أويل - سوف تنفق تقريبا 19.5 مليار دولار على أعمال التنقيب والاستكشاف هذا العام، وفقا لتقديرات من شركة الاستشارات «ريستاد للطاقة»، والبنك الاستثماري «تيودور بيكرينج هولت». وهذا يعادل نصف المستوى قبل سنتين فقط. وإذا حكمنا من خلال لغة «شد الحزام»، فإن من المرجح أن يتراجع الإنفاق مرة أخرى في السنة القادمة. في الواقع لن يمانع المساهمون إذا أخذت شركات النفط الكبرى استراحة من القيام بما يفترض أن تقوم به. السبب في أن مدفوعات إعادة شراء الأسهم تحتل مركز الصدارة بالنسبة لتلك الشركات هو أنها لم تُكلَّل بأكاليل الغار من حيث إنفاق الثروة التي هبطت عليها حين كانت أسعار النفط فوق المائة دولار. فقد انخفض العائد على رأس المال. إنفاق الشركات على الاستكشاف والتنقيب ارتفع بصورة حادة بعد 2006، حين كان النفط يسارع نحو أعلى ذروة في تاريخه، وما أن حل عام 2013 حتى كان سعره أعلى بأكثر من 3 مرات عما كان عليه قبل عقد من الزمن. ورغم جميع جهود التنقيب، لم تعثر الشركات على اكتشافات جيدة. باستثناء عمليات الاستحواذ وبيع الأصول، أضافت شركات النفط الثماني 35.4 مليار برميل من معادِل النفط من الاحتياطيات الثابتة بين 2010 و 2014، كما تشير تقاريرها. هذه الكمية تكفي للوفاء باحتياجات الولاياتالمتحدة من النفط والغاز لمدة 3 سنوات بالمعدلات الحالية. وهذا معدل لا بأس به. المشكلة هي أن هذه الكمية لا تحل محل جميع النفط والغاز الذي ضخته تلك الشركات من الأرض خلال نفس الفترة، وإنما 92 بالمائة منها. وحتى لو استثنينا بريتش بتروليوم - التي بعد كارثة خليج المكسيك بالكاد عوضت نصف ناتجها عضويا - فإن معدل استبدال الاحتياطي يقل قليلا عن 100 بالمائة. بعض الشركات سجلت هذه العلامة، خصوصا شتات أويل وكونوكو (في النفط) وإيني وتوتال وشيفرون (في الغاز). في نهاية المطاف، لا بد لتوزيعات الأرباح أن تأتي من النفط المستخرَج من الأرض، وهذا النفط لا بد من استخراجه بطريقة ما. من الجميل أن نسمع التنفيذيين في شركات النفط يقولون إنهم يستطيعون على نحو ما تقليص التكاليف ودفع توزيعات الأرباح والاستمرار في نمو الناتج مع الزمن، لكن يبدو أن هذه حسابات من صنع الخيال. على سبيل المثال، هذه الشركات الثماني أنتجت بالإجمالي 8.3 مليار برميل من معادِل النفط في السنة الماضية. ميزانية الاستكشاف لهذا العام، البالغة حوالي 19.5 مليار دولار، تنطوي على أن معدل استبدال تلك البراميل هو 2.34 دولار فقط للبرميل. وإنفاق السنة القادمة ينطوي على أن الرقم هو أقرب إلى دولارين. من جانب آخر، تشير تقديرات TPH إلى أن التكلفة الحقيقية على هذه الشركات مقابل كل برميل من معادِل النفط هي على الأقل 5.50 دولار، ويمكن أن تصل إلى 10 دولارات. ثم إن استبدال البراميل واحدا مقابل واحد ليس نموا. وهذا يشير إلى اتجاهين رئيسيين. الأول أنه يضع الأساس للارتفاع القادم الذي لا بد منه في أسواق النفط. استراتيجية السعودية القائمة على إبقاء الإنتاج عاليا غالبا ما يُنظَر إليها على أنها موجهة نحو شركات الحفر الأمريكية التي تستخرج النفط الصخري، لكنها أهداف ثانوية في أحسن الأحوال. ما تريد الرياض فعلا أن تقلص منه هو المشاريع الكبيرة التي تطورها الشركات الكبرى. هذه المشاريع تتطلب استثمارا كبيرا في البداية من المال والوقت التي يغلب عليها أن تواصل إنتاجها، بصرف النظر عما يحدث لأسعار النفط. ومن الأهداف الرئيسية لذلك هناك الحفر في المياه العميقة، التي شكلت نصف اكتشافات العالم من النفط التقليدي - بخلاف النفط الصخري أو الرملي - على مدى العقد الماضي، وفقا لشركة الاستشارات سانفورد بيرنشتاين. لكن إذا قررتَ عدم القيام باكتشافات أو امدادات جديدة من أي شيء - سواء كان ذلك النفط أو الغاز أو أجهزة آيفون - فإن المخزون القائم ترتفع قيمته أكثر من قبل. وهذا يؤدي بنا فورا إلى الاتجاه الرئيسي الثاني. لا بد لشركات النفط الكبرى أن تأخذ في اعتبارها الأجل المتوسط، وليس فقط الاحتياجات الملحة في الوقت الحاضر. فهي ستظل شركات مختصة بالنفط والغاز، لذلك فإنها لا تستطيع التجاوز عن هدفها في تعويض الاحتياطيات، حتى ولم تكن آفاقها مشرقة. لذلك فإن الانهيار في أسعار النفط يجعل من الأرخص عليها شراؤه من خلال الاستحواذ على الشركات المنافسة الأصغر. وتقوم الفكرة بأسرها على الاستفادة من ميزانياتها العمومية التي ستصبح أكبر بعد الاستحواذ، وتستخدمها في تطوير احتياطيات محتملة أسرع وأرخص. وهذا، بالإضافة إلى الأمل في أن ترتفع أسعار الطاقة في نهاية المطاف، هو ما يبرر عمليات الاستحواذ.