هل يمتلك كلايتون كريستينسن كلمة «التعطيل»؟ عبارة التعطيل المبتكر وضعها الأستاذ كريستينسن في 1995 لتحليل ظاهرة جديدة، هي العثور على ابتكار يخلق سوقا جديدة وشبكة جديدة للقيمة، وفي النهاية «يعطل» السوق القائمة وشبكتها، بحيث ان الابتكار الجديد يحل محل زعماء وتحالفات السوق القائمة. مثال ذلك أن البلاستيك حل محل المعادن وغيَّر تركيبة السوق في كثير من المنتجات، وحل التصوير الرقمي محل التصوير الفوتوغرافي، وحل الهاتف الجوال محل الهاتف الأرضي، وحلت الطباعة بالكمبيوتر محل طباعة الأوفست القديمة، وحل برنامج معالِج النصوص محل الآلة الكاتبة، وهكذا. يتصرف كريستينسن، أستاذ كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، بالتأكيد كما لو أن له مصلحة حصرية في هذا المصطلح. إليكم ما جاء في مقال جديد نشر في مجلة هارفارد للأعمال، الذي كتبه كريستينسن بالاشتراك مع مايكل راينور، المستشار لدى شركة ديلويت للخدمات المهنية، والبروفيسور روري ماكدونالد، الأستاذ في كلية الأعمال في جامعة هارفارد، وهو مقال احتل بعض العناوين الرئيسية خلال الأسبوع الماضي: «من الواضح أن شركة أوبر تقوم بتغيير وجه قطاع سيارات الأجرة في الولاياتالمتحدة. لكن هل تعمل على إحداث «تعطيل مبتكر» في عمل سيارات الأجرة؟» حسنا، إليكم تعريف قاموس وبستر لكلمة «يعطل»: التسبب في جعل شيء ما غير قادر على الاستمرار أو المواصلة بالطريقة الطبيعية، بمعنى عرقلة التقدم أو النشاط الطبيعي لأمر ما. لا جدال في أن شركة أوبر عملت على إيقاف النشاط الطبيعي للأعمال التجارية الخاصة بسيارات الأجرة، ومن المحتمل أنها ستجعلها غير قادرة على الاستمرار بالطريقة الطبيعية. وفقا للاستخدام اللغوي القياسي، فهي تعمل على تعطيل الأعمال التجارية لسيارات الأجرة. رغم ذلك، لدى كل من كريستينسن وراينور وماكدونالد أفكار أخرى: «وفقا للنظرية، الإجابة هي لا. حيث إن الإنجازات الاستراتيجية والمالية لشركة أوبر لا تؤهل الشركة لأن تكون من النوع الذي يعمل حقا على التعطيل المبتكر - على الرغم من أن الشركة يتم وصفها دائما تقريبا بهذه الطريقة». من خلال تصنيفهم، يكون الابتكار قادرا على التعطيل المبتكر فقط إذا بدأ في «موطئ قدم منخفض»، بمعنى أنه يخدم عملاء ذوي طلبات عادية غير متميزة، أو في «موطئ قدم جديد»، على نحو يجعل «غير المستهلكين يصبحون مستهلكين». يواصل المؤلفون تحليلهم على النحو التالي: «سارت أوبر في الاتجاه المعاكس تماما: بناء مكانة في السوق الرئيسية أولا ومن ثم أخذت تبدو جذابة في أعين القطاعات التي كانت مهملة في السابق». لا بأس في ذلك. أوبر لا تناسب النموذج المحدد للابتكار الذي حدده كريستنسن أولا والمبين في مقالته التي نشرت في عام 1995 مع جوزيف باور في مجلة هارفارد للأعمال، ومن ثم في كتابه الذي صدر في عام 1997، «معضلة المبتكر»، ومن ثم في كتابه في عام 2003 مع راينور، «حل المبتكر»، وفي الكتابات اللاحقة. كما يفسر دون سول من معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا في جزء مرافق لمقالة كريستنسن في نفس العدد من المجلة، كانت نظرية كريستنسن للتعطيل المبتكر واحدة من العديد من محاولات باحثي كليات الأعمال في التسعينيات لتفسير «السبب في أن الشركات العريقة، مثل شركة بولارويد أو دي إي سي، تعاني في سبيل التكيف مع التغير التكنولوجي رغم وفرة الموارد ووجود المهندسين الموهوبين والقادة المحبوبين». لم يذكر بأن ديك فوستر، المستشار لدى شركة ماكينزي، تناول الموضوع نفسه في كتابه لعام 1986، «الابتكار: ميزة المهاجم». أنا لم أقرأ كل البحوث التي يستشهد بها سول، لذلك لا أريد أن أبدوا وكأني حجة في هذا الموضوع، لكني أعتقد أن ما يميز إسهام كريستنسن عن الآخرين كان الطريقة المنهجية بشكل أنيق التي وصف من خلالها كيفية تسلل الابتكارات التكنولوجية الجديدة إلى التيار العام، والعبارة القوية التي اختارها لوصف العملية: «التعطيل المبتكر». كما أخبرني فوستر من شركة ماكينزي ذات مرة فيما يتعلق باختياره للكلمات: سوف أشعر بالأسف دائما على اليوم الذي لم أطلق على الظاهرة كلمة «التعطيل». رغم ذلك، يبدو كريستنسن الآن بأنه نادم على أنه أطلق عليها فعلا كلمة «التعطيل». هنالك الكثير من النظريات الاقتصادية بأسماء أقل انتشارا وأقل أهمية من الظاهرة التي يصفونها. «أجر الكفاءة» و «نموذج العميل الرئيسي» هي من المصطلحات التي تتبادر فورا إلى أذهاننا. من ناحية أخرى، تؤدي القوة القصوى ل «التعطيل المبتكر» لأن يستخدمها الناس في مواقف لا تناسب نموذج كريستنسن المحدود للابتكار والتغيير. وهم ليسوا بالضرورة خاطئين لقيامهم بذلك. في مقابلة أجريت في عام 2007 وأصبحت سيئة السمعة الآن، مع جينا ماكجريجور في صحيفة بيزنس ويك، كان لكريستنسن هذا التعليق حول هاتف الآيفون لشركة أبل، الذي كان قد نزل السوق للتو: «جهاز الآيفون عبارة عن تكنولوجا معزِّزة مقارنة مع نوكيا. بعبارة أخرى، تقفز شركة أبل قدما على منحنى الاستدامة (بتقديمها لجهاز أفضل). لكن النظرية تتنبأ بأن أبل لن تنجح في هذا الجهاز. حيث انها أطلقت ابتكارا يجعل اللاعبين الموجودين الآن في الصناعة يبذلون قصارى جهدهم للتغلب عليه: إنه ليس مُحدِثا للتعطيل بالمعنى الفعلي. يتكلم التاريخ بصوت عال جدا عن هذا، بأن احتمالية النجاح ستكون محدودة». في الواقع، جمع جهاز الآيفون الكثير من العناصر القائمة أصلا بهدف إيجاد منتج جديد تماما. أوائل المشترين كانوا يحملون مسبقا هواتف جوالة ولديهم أجهزة كمبيوتر - بمعنى أنهم لم يكونوا «غير مستهلكين» - لكن لم يكن لديهم أي شيء يشبه ولو من بعيد جهاز الآيفون، ومباشرة قاموا باستخدامه لجميع الأغراض التي أعتقد أنه ينبغي أن يسمح لنا بتسميتها «تعطيلية». ربما لم يكن جهاز الآيفون تعطيلا مبتكرا على نهج كريستنسن (في مقاله الجديد في المجلة يقبل كريستنسن الآن بأنه كان تعطيلا مبتكرا، لأنه عمل على تعطيل أعمال الكمبيوتر اللابتوب)، لكنه كان بالتأكيد ابتكارا عطل الكثير من الأعمال التجارية القائمة. من الواضح أن رغبة كريستنسن في استبعاد ما يرى أنه استخدامات سيئة لمصطلح التعطيل، تعمقت خلال العام الماضي من خلال مقالة انتقادية لاذعة في مجلة نيويوركر من قبل جيل ليبور، أستاذة التاريخ في جامعة هارفارد. وفي مقابلة مع مجلة من بلوبيرج بيزنس ويك بعد ذلك مباشرة، قال كريستنسن: «تستخدم الكلمة لتبرير أي شيء يريد أي شخص القيام به - سواء أكان صاحب أعمال أم طالبا جامعيا». لكن الكلمة كانت تدور على الألسن قبل فترة طويلة من استخدام كريستنسن لها. وهي كلمة جيدة، رغم أن الجميع يبالغ في استخدامها الآن. على أية حال، ليس من حق أستاذ واحد أن يقرر كيف ينبغي استخدامها. الابتكار لا يعمل بهذه الطريقة.