تحدثنا في المقال السابق عن أهمية صدور نظام الشركات الجديد وما حواه من تعديلات مهمة وضرورية، ونستأنف حديثنا في هذا المقال حول توجه نظام الشركات الجديد إلى تطوير عمل الشركات وحوكمتها لتأسيس مفاهيم جيدة في ثقافة الاستثمار، وهذا بدوره سينعكس على تحفيز المستثمر المحلي والأجنبي للاستثمار في الأسواق السعودية، نظراً لوجود بنية تنظيمية تحترم مبادئ حوكمة الشركات. وقد جاء نظام الشركات الجديد ليؤكد على مبادئ الحوكمة سواءً في المحافظة على حقوق المساهمين والمتعاملين مع الشركات أو لضمان تحقيق المعاملة العادلة لجميع الشركاء، كما تؤكد مبادئ الحوكمة على مبدأ الإفصاح والشفافية، وتؤكد على مسؤولية مجلس الإدارة. وقد كانت هذه المبادئ تجد شرعيتها في لوائح وقرارات وزارية بعضها جاء على صيغة الاسترشاد إلى أن جاء نظام الشركات الجديد ليلزم الشركات المساهمة بمبادئ الحوكمة. وهذا يسجل للمشرع السعودي الذي واكب متطلبات العصر لتمكين الشركات السعودية من العمل والمنافسة بشكل مؤسسي وشفاف. وتحديداً فقد ضمن نظام الشركات الجديد مبادئ حوكمة الشركات لخلق بيئة بعيدة عن الانهيارات الاقتصادية التي من شأنها أن تحدث ضرراً بالسوق المحلية وما يتبعها من أضرار وتبعات ليس على المتعاملين معها فحسب وإنما على العاملين فيها وكذلك المساهمون فيها. ويتضح ذلك جلياً في نصوص مواد نظام الشركات الجديد، حيث أكدت المادة (71) من النظام الجديد على أن لا يكون لعضو مجلس الإدارة أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة إلا بترخيص مسبق من الجمعية العامة العادية يجدد كل سنة، ولم يفرق النظام بين العقود المباشرة أو تلك التي تتم بطريق المناقصات كما هو الحال في نظام الشركات السابق. وثمة ميزة لنظام الشركات الجديد أنه جعل عدم جواز الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة وأي منصب تنفيذي آخر كمنصب العضو المنتدب أو الرئيس التنفيذي أو المدير العام، وهذا يتناسق مع ما ورد في الباب الرابع من لائحة حوكمة الشركات. كما أن نظام الشركات الجديد قد فعّل دور المساهمين في اختيار أو انتخاب مجلس الإدارة، فبعدما كانت آلية التصويت على انتخاب مجلس الإدارة رهينة بما ينص عليه نظام الشركة، فقد جاء النظام الجديد ليلزم الشركات المساهمة بآلية التصويت التراكمي التي تتيح للمساهم توزيع ما يملكه من أسهم على أكثر من شخص عند التصويت. وبهذا فإن المساهم يجزئ إجمالي الأصوات المتاحة له بأي طريقة يراها مناسبة له. ومن جهة أخرى فإن التصويت التراكمي من شأنه أن يوسع دائرة انتخاب مجلس الإدارة ويمنح الفرصة لصغار المساهمين بالمشاركة في اتخاذ القرارات بما في ذلك أداء مجلس الإدارة أو الدخول فيه. ومن ميزات نظام الشركات الجديد أنه أكد على وجود لجنة المراجعة في الشركات المساهمة، وتشكل لجنة المراجعة وفقاً للمادة (101) من النظام بقرار من الجمعية العامة العادية في شركات المساهمة على ألا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة ولا يزيد عن خمسة، وما يميز هذه اللجنة أن أعضاءها يجب أن يكونوا من غير أعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين سواءً أكانوا من المساهمين أم من غيرهم. وتختص لجنة المراجعة بمراقبة أعمال الشركة وطلب أي إيضاح أو بيان من أعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية. كما أنيط بلجنة المراجعة الاطلاع على قوائم الشركة المالية والتقارير وما يقدمه مراجع الحسابات من ملاحظات واتخاذ ما تراه من إجراء لحماية مصالح المساهمين. أما بشأن مراجع الحسابات فقد قيّد النظام الجديد مدة تعيين مراجع الحسابات حيث يجوز للشركة أن تعيد تعيينه على ألا يتجاوز مجموع مدة تعيينه خمس سنوات متصلة، ويجوز لمراجع الحسابات الذي استنفد هذه المدة أن يعاد تعيينه بعد مضي سنتين من تاريخ انتهائها. وأخيراً فإن المبادئ المشار إليها تعد من القواعد النظامية الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وقد خصص نظام الشركات الجديد الباب الحادي عشر لتحديد العقوبات على الأفعال التي تشكل جريمة، وقد قسم المنظم الأفعال الجرمية إلى ثلاثة أقسام رتب لكل قسم العقوبة المناسبة، وفي حالة العود في ارتكاب الجريمة تضاعف هذه العقوبات. نظام الشركات الجديد يؤكد على مبادئ الحوكمة في المحافظة على حقوق المساهمين والمتعاملين