«اختراق إرهابي» أم «ذئب منفرد»؟، هو الاستفهام الأكثر إلحاحاً على أروقة المطبخ الأمني الأردني، الذي التأم بكامل طاقته إثر «هجوم الموقر» (الإثنين)، الذي استهدف مدرسة للتدريب الأمني وسط المملكة الأردنية. «هجوم الموقر»، الذي نفذه ضابط أردني برتبة نقيب "أنور أبو زيد" وراح ضحيته 7 قتلى وعدد من الجرحى، بات- مع انقضاء اليوم الأول للتحقيقات- قضية تشغل المؤسسة الأمنية، التي أخفقت في توقع الحدث، ومنع وقوعه، كما في مرات سابقة استهدف فيها مركز مدينة الملك عبدالله الثاني التدريبية، المتخصص في التدريب الأمني. ويقول مصدر أمني أردني رفيع، مقرب من التحقيقات، إن «هجوم الموقر لا يزال طي التحقيق، لكنه في أحد أوجهه يعبر عن إخفاق في معرفة الخطر وتحييده، فالمؤسسة الأمنية عجزت عن ذلك هذه المرة». ويكشف المصدر الأمني، في حديثه ل «اليوم»، أن «الجهاز الأمني الأردني استحضر عدة سيناريوهات، عقب الهجوم مباشرة، اختبر وجاهتها عبر المعلومات الأولية، لتتراجع جميعها أمام سيناريوهين اثنين». السيناريو الأول: الاختراق الإرهابي، ويفترض نجاح تنظيمات إرهابية، وتحديداً «تنظيم داعش»، في اختراق البروتوكولات الأمنية الناظمة لعملية الالتحاق بالمؤسسة الأمنية، وتجنيد عناصر لصالحها، ما يفتح الباب واسعاً أمام توقعات من قبيل امتلاك هذه التنظيمات عناصر أو خلايا نائمة من بينها عناصر ملتحقة بالجهاز الأمني. السيناريو الثاني: الذئب المنفرد، ويفترض أن هجوم الموقر عمل إرهابي فردي، خضع لإرادة منفذه، وجاء كنتيجة لتبدلات فكرية– عقائدية، زادت شططاً باتصال خيطي مع تنظيم إرهابي، ما يحيل الهجوم إلى عمل معزول، انتهى بوقوعه. ويرى المصدر الأمني أن «إثبات صحة أي من السيناريوهين سيكون له وقعه الخاص»، معرباً عن قلقه من خطورة ثبوت صحة وقوع السيناريو الأول، الذي سيستدعي «مراجعة شاملة لمختلف الإجراءات والترتيبات الأمنية في المملكة الأردنية»، وفق قوله. وسيناريو «الاختراق الإرهابي» يحمل بين طياته ما ينقضه، ففي بلد كالأردن ليس هيناً حدوث ذلك لعدة اعتبارات، من بينها طبيعة التعقيدات التي تحكم عملية الانتساب للمؤسسة الأمنية والعسكرية، فضلاً عن إجراءات المتابعة الدورية لمنسوبيها، إلا أن «السيناريو الثاني قد جرى تسجيل العديد من الحوادث المشابهة على مستوى العالم»، يقول الكاتب والباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية د. محمد أبو رمان. الذي استطلعت رأيه «اليوم»: السيناريو الثاني «أكثر قُرباً للواقع، لتطابق ما أُعلن من معلومات هجوم الموقر مع هجمات أخرى نفذت في غير دولة حول العالم». ويزيد أبو رمان: «افتراض الذئب المنفرد يقوم على مبدأ تأثر الفرد فكرياً، ليتخذ مناحي دينية متشددة عبر عدة وسائل، أغلبها إلكترونية، ثم ينتقل إلى البحث عن نقطة اتصال بتنظيم داعش، طلباً للالتحاق به، ليعثر– تالياً- على اتصال خيطي قد يدعوه إلى عمل إرهابي محلي بالأدوات المتوافرة لديه، وفي إطار دائرة نشاطه اليومي». وتضارب المعلومات بشأن طريقة مقتل الضابط أبو زيد فتح الباب أمام «وجهة ثالثة» لتفسير الهجوم، استبعدتها الأجهزة الأمنية تماماً، وتفترض أنه عملٌ مشابه لما أقدم عليه الجندي أحمد الدقامسة، الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد على خلفية قتله فتيات إسرائيليات، في 12 مارس 1997، كنّ قد سَخِرن من أدائه للصلاة. عائلة منفذ الهجوم ألمحت إلى احتمالية وجود تشابه بين ما أقدم عليه «الجندي الدقامسة» و «الضابط أبو زيد»، خاصة بعد حديثها عن «تديّن» منفذ الهجوم، في سياق دحض أنباء نعتت «هجوم الموقر» ب «العمل الإرهابي». يقول عم منفذ الهجوم سليمان السعد أبو زيد، وهو نائب إسلامي سابق شغل مقعداً في مجلس النواب الأردني، إن «أنور شاب ملتزم دينياً، خضع لكافة الاختبارات قبل انتسابه إلى المؤسسة الأمنية، وله سجل وظيفي تضمن إشغاله لعدة مواقع مهمة في إدارتي الأمن الوقائي والبحث الجنائي، لا يمكن أن يكون إرهابياً لمجرد أنه متدين». «التديّن» بين منسوبي الأجهزة الأمنية والعسكرية في الأردن أمر شائع ومعتاد، وهو ما وصفته قراءات رسمية في وقت سابق ب «القوي»، إذ تعتبر «العقيدة الإسلامية» واحدة من مدخلات «العقيدة العسكرية» في المملكة الأردنية، وأيضاً هي واحدة من أسس «الشرعية السياسية» لدى رأس الدولة، الذي ينتسب إلى سلالة متصلة بالنسب النبوي المشرّف. وأياً كان السيناريو، إلا أن تزامن هجوم الموقر مع الذكرى العاشرة لتفجيرات فنادق عمان، التي نفذها «تنظيم القاعدة» في 9 نوفمبر 2005، يدفع المعنيين بالتحقيقات إلى الوقوف عند هذه «المصادفة». ويعتقد د. محمد أبو رمان ب «ضرورة اختبار فرضية تزامن الهجوم مع ذكرى تفجيرات فنادق عمان، وما إذا كان الأمر متصلاً أم محض صدفة». ولفت أبو رمان إلى «إحباط الأمن الأردني مؤخراً محاولة لاعتداء إرهابي على حافلات تُقل مدربين وعاملين في مركز مدينة الملك عبدالله الثاني التدريبية، الذي يتلقى دعماً مباشراً من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويتولى حالياً تدريب منتسبي أجهزة أمنية فلسطينية وعراقية»، ما يشي بأن المدرسة الأمنية في صلب اهتمام تنظيمات إرهابية ك «تنظيم داعش».