قد يطلب من كل من تصيبه الانفلونزا في أوروبا هذا الشتاء ان يسجل اسمه ضمن تجربة اكلينيكية عشوائية.. حيث إما ان يتعاطوا عقارا - قد ينجح في علاج العدوى او قد لا يفلح -، وإما ان تسدى اليهم نصائح بتناول المسكنات والخلود الى الراحة في الفراش. وسيسهم أولئك الذين سينخرطون في هذه التجربة في مساعدة العالم كي يعد العدة لمواجهة جائحة فتاكة محتملة قادمة، فضلا عن مد يد العون للعلماء ممن يسعون جاهدين لسد الثغرات المعرفية التي تخلفت عن الفرص المهدرة السابقة. ولا يزال العلماء يجهلون بدرجة كبيرة كيفية وقف أو مجابهة الهجمات المرضية الشرسة التي لم يشهدها العالم من قبل في السنوات الأخيرة.. من ظهور متلازمة الشرق الاوسط التنفسية (فيروس كورونا) في السعودية والسلالة الفيروسية الجديدة الفتاكة من انفلونزا الطيور بالصين، والتفشي الذي لم يسبقه مثيل لوباء الايبولا في غرب افريقيا. يقول خبراء الأمراض: إن العلماء لم يفلحوا حتى في مجرد رصد منشأ تلك الأمراض، ويرجع سبب ذلك ببساطة الى عدم اجراء الدراسات الأساسية وتحليل طرق انتقال الأمراض واختبار العقاقير واللقاحات التجريبية، وذلك في أثناء استشراء تلك الأمراض. ويضيف هؤلاء الخبراء: انها سقطة وقع فيها البحث العلمي يتعين ألا يُسمح له بتكرارها. ويقول جيريمي فارار مدير مؤسسة (ولكام تراست) الخيرية العالمية للصحة وخبير الأمراض المعدية: "كانت البحوث التي جرت في جميع الأوبئة التي شهدناها خلال العقود الأخيرة جهودا يرثى لها. العالم الآن في خطر نظرا لوجود ثغرات هائلة في قاعدتنا المعرفية". وأضاف: "ليس لدينا الآن أي لقاح لعلاج التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارس)، اذا ما عاود هجومه غدا. ولا ندري كيف نعالج متلازمة الشرق الاوسط التنفسية (فيروس كورونا)، فيما استغرق الأمر من ستة الى تسعة أشهر كي نبدأ في التجارب الاكلينيكية للقاحات الايبولا. "في الوقت نفسه راح نحو 12 ألف شخص ضحية لهذه الأمراض. أما خلال استفحال السلالة الفيروسية اتش1ان1 من انفلونزا الخنازير، فقد كان عدد من شاركوا في الدراسات الاكلينيكية العشوائية يقترب من الصفر". وقالت ترودي لانج استاذة بحوث الصحة العالمية بجامعة اكسفورد التي تعكف على تذليل العقبات التي تقف حائلا دون مكافحة هذه الأمراض: إن البيروقراطية والقيود اللوجستية وانعدام الرؤية واستبصار العواقب كانت تمثل جوهر هذه المشاكل. وخلال تفشي وباء الايبولا الذي اجتاح غينيا وليبيريا وسيراليون كُلف فريق لانج - الذي تخصص في تخطيط وتنفيذ التجارب بين من هم عرضة للاصابة وسط الظروف العصيبة - بتصميم تجربة اكلينيكية لإيجاد علاج محتمل للايبولا. وقالت لانج لرويترز: "يستغرق الأمر عادة 18 شهرا لتصميم تجربة، وقد أنجزنا ذلك في 18 اسبوعا فقط، لكن المشكلة اننا كنا قد تأخرنا كثيرا بالفعل".