يقصد بالعمل التطوعي: أي مجهود بدني أو فكري أو عطاء مادي يقدّمه الفرد احتساباً للأجر من الله - تعالى - دون انتظار مردود أو مصلحة شخصية. ولا يختلف اثنان حول أهمية العمل التطوعي بشتّى صوره وأشكاله، وهو يعتمد على روافد عدة أهمها الرافد البشري، وليس التطوع مقصوراً على التبرع المادي، بل هو مطلق، كل حسب قدرته وجهده، كما قال تعالى: «ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم». ويلحظ في سياق الآية الكريمة أن لفظة ((خيراً)) نكرة تدل على العموم وتشمل كل فعل خيّر يستطيع أن يعمله الإنسان المسلم، والآيات والأحاديث الدالة على فعل الخير وعمله كثيرة جداً وليس هذا موضع بسطها. ومنها: الآية السابقة، ومنها: قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». ومن الأحاديث ما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراّ....)) الحديث. وجاء في آخره: ((ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام))، وقوله: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار))، وقوله: ((... والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)). وهذه الآيات والأحاديث يدرجها علماء الشرع الإسلامي تحت مسألة النفع المتعدي الذي يشمل الغير، وهو أفضل من النفع الخاص الذي يكون أثره مقصوراً على الشخص نفسه. ويكفي في هذا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) شبّه المجتمع المسلم بأنه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى. وهنا يقال: لابد من نشر ما يمكن أن نسميه ثقافة العمل التطوعي في المجتمع المسلم بشتى الوسائل والطرق، ولا شك في أن لوسائل الإعلام دورا كبيرا في هذا المجال، مع عدم إهمال دور المؤسسات الأخرى في زرع هذه الثقافة مثل: المسجد، والبيت، والمدرسة. ومجال التطوع ليس مقصورا على فئة معينة أو مجال بعينه، بل هو مطلق لما فيه نفع المجتمع المسلم وفق ضوابط حددتها الشريعة الإسلامية. أضف إلى ذلك ضرورة توحيد الجهود في هذا المجال وأن يكون العمل التطوعي ملازماً للمجتمع في جميع الأوقات ولا يقتصر فعله على حلول الأزمات والنكبات، بل هو غاية نبيلة وهدف أصيل حث عليه الشرع الحكيم، مع الإشارة إلى عدم الخروج عن النظام المحدد لهذه الأعمال، وأن تكون في إطارها الصحيح الذي حدده ولي الأمر، حتى لا ينحرف العمل التطوعي - كائنا ما كان - عن منهجه، ومن ثم تتجاذبه الأهواء والعواطف والتصرفات الشخصية غير المسؤولة، وهذا كله ينعكس سلباً على سمعة ديننا ووطننا.