يُعدّ العمل التطوُّعيّ من أبرَز الظواهِر الإنسانيَّة العالميَّة، واليوم- الجمعة– الثالث عشر من صفر1436ه الموافق الخامس من ديسمبر 2014م، يعتبر يوما دوليا للمتطوعين، ويسمى اختصاراً بالإنجليزية IVD، ويُنظر إلى هذا اليوم بوصفه فرصة فريدة للمتطوعين والمنظمات للاحتفال بجهودهم وتعزيز أعمالهم في تنمية المجتمعات. ومع أن العمل التطوعي في المجتمعات الإسلامية، ليس بالشيء الجديد عليها، فمبدأ التكافل الاجتماعي والمساعدة جزء من دينها وتقاليدها. ومع ذلك نلحظ مدى الحاجة إلى تعزيز قيمة العمل التطوعي، من حيث المفهوم الحقيقيِّ له، والإعداد المُتقَن، ونشر ثقافته بين أوساط الناس، لا سيما الشباب منهم. واتخاذ تدابير لزيادة الوعي بأهمية إسهام الخدمة التطوعية، في التنمية المستدامة للمجتمع، وبالتالي تحفيز المزيد من الناس في جميع مناحي الحياة على تقديم خدماتهم. وخذ على سبيل المثال، مؤشر تقدم العمل التطوعي في الغرب، حيث تشير الإحصاءات إلى أنه يوجد في المملكة المتحدة (بريطانيا) 22 مليون شخص يشاركون في التطوع الرسمي كل عام، وعشرة ملايين شخص يتطوعون كل أسبوع بما يساوي 90 مليون ساعة عمل تقدر قيمة العمل التطوعي في المملكة المتحدة ب 40 بليون جنيه إسترليني سنوياً. إن تعزيز ثقافة العمل التطوعي، مسؤولية اجتماعية تقع على كاهل مؤسسات التنشئة الاجتماعية على اختلافها، من الأسرة والمدرسة، مروراً بمؤسسات التعليم العالي والمساجد ووسائل الإعلام، إلى جانب المؤسسات الأهلية والحكومية. ويعتبر العملُ التطوعي رافدًا أساسيًّا للتنميةِ الشاملةِ، يظهر فيه مدى الوعيِ بدورنا في النهوض بالمجتمع، ولذلك أصبح علما يدرَّسُ في المدارسِ والمعاهد والجامعات. والتطوُّعُ- في أيسر تعريفاتِه-: هو بذلُ الجهدِ الإنساني، بصورةٍ فردية أو جماعيَّةٍ، بما يعودُ بالنَّفعِ على المجتمع، ويقومُ- بصفةٍ أساسية- على الرَّغبةِ الحرَّةِ، والدَّافع الذَّاتيِّ. ولا يهدف المتطوع إلى تحقيق مقابل مادي، بل اكتساب شعور الانتماء إلى المجتمع، وتحمُّل بعض المسؤوليَّاتِ التي تُسهِمُ في تلبية احتياجات اجتماعيةٍ أو اقتصاديَّةٍ أو ثقافية، وحفظِ الحاجات الأساسية للإنسان: (الدين، والنَّفْس، والعقل، والمال، والنَّسل)، وهي مقاصد شريعتنا الغراء. ويؤكد القرآن على أهمية التعاون والتضامن في تحقيق المصالح ودفع المفاسد كما قال تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } (2) سورة المائدة وعلَّمَنا نبيُّنا- صلى الله عليه وسلم-، أن نكونَ أيادِيَ عطاء بما نملكه، وفتح لنا خيارات واسعة للعمل الخيري فيقول- صلى الله عليه وسلم-: "على كل مُسلمٍ صدقةٌ. قيل: أرأيتَ إن لم يجِد؟! قال: "يعملُ بيدَيْه، فينفعُ نفسَه ويتصدَّق. قيل: أرأيتَ إن لم يستطِع؟! قال: يُعينُ ذا الحاجَة الملهُوف. قيل له: أرأيتَ إن لم يستطِع؟! قال: يأمُرُ بالمعروف أو الخير. قال: أرأيتَ إن لم يفعَل؟! قال: يُمسِكُ عن الشرِّ؛ فإنها صدقةٌ". رواه البخاري ومسلم. والنبيَّ– صلَّى الله عليه وسلَّم– يُشيرُ إلى نفعِ الناس أجمعين، وليس نفع المسلمين فقط.حيث يقول: ((خير النَّاسُ أنفعُهم للناس)). ويقول أيضا– صلَّى الله عليه وسلَّم–: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله- عز و جل-، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرا... ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام)). كما يبين النبي– صلَّى الله عليه وسلَّم– أثر أعمال المعروف في وقاية المجتمع من الأزمات والآفات فيقول: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة). ولتعزيز ثقافة العمل التطوعي، أُنشئت الجمعية السعودية للعمل التطوعي "تكاتف"، وهي جمعية متخصصة في العمل التطوعي تُنظّم وتُعنى بخدمة المتطوع والجهة المستفيدة من جهوده. وتسعى "تكاتف" من خلال برامجها الخيرية والاجتماعية المتنوعة، إلى تنظيم العمل التطوعي وفق آليات واضحة، تبدأ من الفرد المتطوع، إلى جانب تهيئة البيئة والبنية التحتية التي تدعمه من خلال برامج تدريبية وتوعوية تؤهّله للمشاركة في الوسط الاجتماعي من خلال الفرص التطوعية المتاحة. لنتذكر في اليوم العالمي للمتطوعين ما كان عليه الناس في مجتمعنا من تكافل وتآذر كان يسمونها "فزعة"، في التعاون على قضاء الحوائج، فهيا يا محبي الخير، فزعة من أجل حاضر ناهض ومستقبل واعد.