مع بروز الحاجة للتوعية بأهمية العمل التطوعي وضرورة غرسه في نفوس الشباب والتعريف بحاجة المجتمع اليه ، ظهرت بعد السيول التي اجتاحت مدينة جدة العديد من الفرق التطوعية والتي تكوّن بعضها بدافع ذاتيّ من قبل بعض الشباب الذين ادركوا اهمية هذا العمل وحاجة الاهالي إليه خصوصا في هذه الفترة وقاموا بالدعوة لهذه الفرق عبر مواقع الانترنت وغيرها من وسائل الاتصال والبعض الآخر من هذه الفرق التطوعية انبثق من خلال المؤسسات والجمعيات الخيرية وتنوعت الخدمات المقدمة منهم فمنهم من نزل الى الميدان وقام بعملية تنظيف للمساجد والمدارس المتضررة جراء هذه السيول بينما وجدنا آخرين قاموا بإعداد وتقديم الوجبات الغذائية والمواد التموينية وتقديمها للأسر المنكوبة . «المدينة» استطلعت عددا من الاراء حول العمل التطوعي في الاسلام واهمية وجود مؤسسات ترعاه وتقدمه للمجتمع . - فقد اكد الشيخ محمد النجيمي الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء ان للتطوع أصلًا في شريعتنا الاسلامية وفيه اغاثة للمحتاج وقد قال الله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ) واضاف النجيمي قائلا: إن تراثنا الشرعي والفقهي ملئ بنماذج التطوع وقد كانت بعض الصحابيات يتطوّعن لتمريض ومداواة الجرحى في الحروب وهذا من التطوع مضيفا ان هذا العمل شئ عظيم واحياء هذه السنة يعتبر من الاعمال الطيبة مضيفا انه يجب ان يجرى كل ذلك تحت مظلة الدولة حتى لا يستغله ضعاف النفوس . - وتحدث الداعية حمد الحريقي عن اهمية العمل التطوعي قائلا: إن العمل التطوعي يعتبر معيارا لمدى رقي المجتمع وتطوره ووعي أفراده بأهمية الوقت ونفع الآخرين يحدوهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (( خير الناس أنفعهم للناس )) وحرصهم على رعاية مصالحهم الخاصة والعامة ومدى شعورهم بمعاناة الآخرين والله جل وعلا يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) . والعمل التطوعي في الإسلام يأخذ أشكالا متعددة ويهتم بكل صغيرة وكبيرة لإصلاح المجتمع حتى في إماطة الأذى عن الطريق ، فهو متأصل في عقيدة المسلم ، والتعاون على البر والتقوى واجب في كل الأمور التي فيها خير الأمة وصلاحها . وبالنظر إلى واقع المجتمع المسلم اليوم نجد أن العمل التطوعي قد تطور وأصبحت له مؤسسات ترعاه وتنظمه لتلبية احتياجات الناس ومتطلباتهم ، فقامت الجمعيات والمؤسسات الخيرية والدعوية وبحمد الله وتوفيقه سدّت ثغرات عظيمة واستفاد منها عدد كبير من الناس . - من جهته قال الداعية محمد الحارثي: إن العمل التطوعي يعبّر عن ثقافة المجتمع ومدى تلاحمه في حلّ قضاياه، وهذه الثقافة يجب أن تنقل من جيل إلى آخر بالصورة السليمة وكذلك ترسيخ مبادئ العمل التطوعي لدى النشء لإشعارهم بأهميته وإشراكهم في بعض الأعمال لكي يستمر هذا العمل على مدى الزمن. ومن أروع صور التضحية والبذل والإيثار المؤاخاة التي أقامها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين المهاجرين والأنصار، فقاسموهم أموالهم ودورهم ومتاعهم، وقد روى الإمام أحمد عن أنس قال: لما قدم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم ، لقد كفونا المؤونة وأشركونا في المهنأ حتى خفنا أن يذهبوا بالأجر كله فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا ! ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم بالأجر عليهم» والإيثار ليس فرضا، بل تطوع وتصدق وإحسان، خاصة عندما يؤثر من كان به خصاصة كالأنصار الذين أثنى الله عز وجل عليهم، - من جانبه قال الدكتور ابراهيم بن حمد النقيثان أستاذ مساعد بقسم علم النفس بجامعة الملك سعود: إن من الأسباب النفسية المانعة من الانخراط بالعمل التطوعي هو الغفلة عن الأجر العظيم المترتب على تلك الأعمال ، وكذلك الرهبة من المجهول ، فالإنسان عدو ما يجهل ،ومن ذلك عدم الثقة بالذات ، وأيضا عدم الثقة بالمؤسسة الخيرية ، ومنها العائق الوحيد ، ويتمثل بالانشغال بالعمل الرسمي ، أو الانشغال بالدراسة ، أو الانشغال بالأعمال التطوعية الهامشية ، ومنها الكِبر ( تضخيم الذات ) ، ويعني أن مركزه الاجتماعي أو مركزه الوظيفي يحول دون انخراطه بالأعمال التطوعية رغم إدراكه لمسيس الحاجة إلى خدماته . وإن من أساليب العلاج لهذه المشكلة تهيئة المتقدمين وتدريبهم قبل انخراطهم في الأعمال التطوعية ، كما أشار الدكتور تيسير بن سعد أبوحيمد الاستاذ بجامعة الملك سعود ان القصد من العمل التطوعي هو أي مجهود بدني أو فكري أو عطاء مادي يقدّمه الفرد احتساباً للأجر من الله تعالى دون انتظار مردود أو مصلحة شخصية . و لا يختلف اثنان حول أهمية العمل التطوعي بشتّى صوره وأشكاله ، وهو يعتمد على روافد عدة من أهمها الرافد البشري ، وليس التطوع مقصوراً على التبرع المادي بل هو مطلق ، كل بحسب قدرته وجهده ، كما قال تعالى : ( ومن تطوّع خيراً فإن الله شاكر عليم ) ، ويلحظ في سياق الآية الكريمة أن لفظة ((خيراً )) نكرة تدل على العموم وتشمل كل فعل خيّر يستطيع أن يعمله الإنسان المسلم ، والآيات والأحاديث الدالة على فعل الخير وعمله كثيرة جداً وليس هذا موضع بسطها، ولابد من نشر ما يمكن أن نسميه بثقافة العمل التطوعي في المجتمع المسلم بشتى الوسائل والطرق ، ولا شك أن لوسائل الإعلام دورا كبيرا في هذا المجال ، مع عدم إهمال دور المؤسسات الأخرى في زرع هذه الثقافة مثل : المسجد ، و البيت، والمدرسة . وتقدم أن مجال التطوع ليس محصورا على فئة معينة أو مجال بل هو مطلق لما فيه نفع المجتمع المسلم وفق ضوابط حددتها الشريعة الإسلامية ، أضف إلى ذلك ضرورة توحيد الجهود في هذا المجال وأن يكون العمل التطوعي ملازماً للمجتمع في جميع الأوقات ولا يقتصر فعله عند حلول الأزمات والنكبات بل هو غاية نبيلة وهدف أصيل حث عليه الشرع الحكيم .