في 25 أكتوبر الحالي، وبعد أكثر من عقد بسنتين، قدم رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير في حديثه لقناة (سي. إن. إن) ، في مقابلة مع المقدم المعروف فريد زكريا اعتذاره عن قراره الخاطئ في شن حربه على العراق سنة 2003م. لم تحظ تلك الحرب بأدنى شرعية؛ لا أوربية و لا أممية لكنها شهدت تماهيا غير مسبوق في السياسة الخارجية لبريطانيا بقيادة توني بلير مع حليفها التقليدي الأمريكي. وكان منتجع كامب ديفيد الأمريكي ومزرعة بوش في تكساس المكانين اللذين حيكت فيهما كل خطوات التدخل العسكري في العراق. في حديثه اعترف رئيس الوزراء البريطاني عن خطئه في عدم توقع الأخطار التي ستنتج بعد إزاحة النظام العراقي، يقصد خروج التنظيمات الإرهابية المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط. واعتذر عن اعتماده على معلومات استخبارية خاطئة، وحتى لو أن صدام استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه (يواصل بلير اعترافه) لكن لم يكن لديه برنامج لأسلحة الدمار الشامل بعد جهود مفتشي الأممالمتحدة. وللتذكير فقط فإن توني بلير قال قبل بدء الحرب "إن النظام العراقي لديه القدرة على نشر أسلحة الدمار الشامل في غضون 45 دقيقة!" قبل اعتراف توني بلير بسنتين، في الذكرى العاشرة لغزو العراق، كان الجنرال كولن باول وزير الخارجية لأول ثلاث سنوات في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، قد قدم ندمه الشديد هو الآخر لتقديمه (معلومات استخبارية مغلوطة) اعتمد عليها الكونجرس في إجازته لشن الحرب. وصف باول ذلك الخطأ بالوصمة في تاريخ سيرته. وقال إنه يدرك الفشل الذي حصل. وكان باول في شهادته أمام الكونجرس، الذي اعترف أخيراً أنه قد تم تحريرها في وكالة الاستخبارات المركزية، قد قدم وصفاً مذهلاً عن برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، وذكر "بأن الحقد والكراهية اللذين يكنهما كل من نظام صدام وتنظيم القاعدة قادران على عقد تحالف بين الجهتين ضد الغرب!" لكن الجميع يدرك الآن أن القاعدة لم تظهر في العراق إلا بعد الغزو. الشكوك بدأت تحيط بصحوة الضمير المتأخرة جداً لتوني بلير فالإعلام البريطاني يتحدث عن الصدور الوشيك لما يسمى (تقرير شيلوت Chilcot Report) وهو تحقيق يحمل اسم السير جون شيلوت عضو مجلس العموم البريطاني دشن سنة 2009م أثناء حكم رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون الذي أعقب بلير، ومن مهمته التحقيق في ملابسات غزو العراق وما ترتب عليه. وكان قد قرر للتحقيق أن يكون سرياً لولا انتقادات وسائل الإعلام البريطانية التي طالبت بعلنية النتائج. أما ندم كولن باول فلا نعرف له سبباً، ربما هو نمط أصبح متبعاً لدى الساسة الأمريكيين؛ ففي ما يشبه طقس الاعتراف الكنسي، بعد أن يترك المسئول مكانه في هرم السلطة، تتملكه فجأة رغبة الاعتراف، تأتي تلك الرغبة عادة على شكل كتابة مذكراته أيام كان في السلطة، ربما هذا ما سنراه يوما ما حين يصحو ضمير جورج بوش، ونجده يعترف بأخطائه الفادحة التي أدت إلى قتل وتهجير الكثير، وتدمير مدن وإشاعة الفوضى، ومن المحتمل أن يقرأ الجميع الاعترافات بتلك الأخطاء ما عدا ضحاياها.