التنظيمات المتطرفة التي تنشط في استباحة أمن المجتمعات واستغلال الشباب لمشروعاتها الإجرامية تتطلب فعالية وطنية أكبر في مواجهتها، فهي أصبحت تقتل على الهوية المذهبية والدينية، ولا تفرق بين ضحاياها، ولذلك فإن المعركة معها شاملة لجميع المكونات الوطنية والتيارات الفكرية والثقافية والاجتماعية دعما للجهود الأمنية في مكافحة الإرهاب، والقضاء على التطرف، ما يتطلب مشروعات منهجية تستوعب الجميع في المكافحة. ضحايا سيهات أخيرا وقبلهم ضحايا المساجد في عسير والدمام وغيرها، إضافة الى استهداف جنود الأمن والمنشآت كل تلك جرائم يتم حسمها في مهدها حين نقف صفا واحدا ضد هذا الخروج القبيح عن الإجماع الوطني، فليس المستهدف طائفة أو مذهبا حتى نوجه الإرهاب والإرهابيين باتجاه معين، وإنما المسألة أكبر من ذلك والوعي به يختصر طريق الحل في المواجهة، فنحن في الواقع في معركة تتجه لأن تصبح مصيرية حين ننظر في اضطرابات المنطقة من حولنا فيما إرهابيون بيننا يحملون فكرا متطرفا لا يتردد عن القتل وترويع الآمنين حتى في بيوت الله ودور عبادتهم. في تقديري أن اجتثاث التطرف يبدأ بإبعاد الخطابات المتشددة عن المعادلة الاجتماعية بنبذ السماع لأولئك الذين يكفرون ويغلظون الخطاب تجاه الآخرين داخل النسيج الديني والوطني الواحد، ثم إن المتابعة الراشدة والواعية والفاعلة من داخل البيوت للصغار الذين يدخلون العالم الافتراضي عبر المواقع الاجتماعية يعوق تفاعلهم مع طروحات صيادي الإرهاب، وإذا كان معظم النار من مستصغر الشرر فإن ذلك الشرر يبدأ من إهمال التربية والمتابعة والرقابة للأبناء في من يتعاملون معه ويرافقونه، فليس تربويا في ظروف حساسة كالتي نمر بها أن نسمح لهم بحرية مفرطة في حركتهم ونشاطهم الذي يفترض أن يتراوح بين درس ومدرسة وجامعة وبيت يؤيهم، عدا ذلك فإنهم معرضون لخطر الاختراق الفكري والعقدي الذي يجعلهم مهيئين لقتل حتى ذويهم وهما بالتقرب الى الله. الخطر كامن داخل تلك النفوس التي يتم السيطرة عليها عبر الأثير وتوجيهها في غفلة عن الآباء وإهمالا منهم لتربية أبنائهم وتركهم فريسة لمنظري الخطاب الجهادي المغلوط، وليس متصورا ألا يلحظ أب أو أم متغيرات سلوك الابن وهو ينحرف دينيا الى أن ينتهي به المطاف قاتلا أو مجاهدا مزعوما في مواطن النزاعات والقتالات ظنا بما يفعل أنه جهاد في سبيل الله، وذلك لم يحدث إلا لأنه لم يجد أذنا صاغية من والديه، أو حوارا أسريا منطقيا وواقعيا يستكشف اتجاهاته الفكرية ويصوّبه ويقوّمه ويحدد له الصحيح من الخاطئ، حتى ولو بمساعدة من نخبة دينية أو اجتماعية متخصصة في هذا المجال، وأجهزة الدولة لديها الأدوات والقنوات الداعمة للتعامل مع الملاحظات السلوكية في حال عجز الآباء عن الحلول. خطر التنظيمات الإرهابية تطور كثيرا ويحتاج مراجعات اجتماعية تناسب ذلك، ومن المهم أن يدخل الجميع في المكافحة برفع مستويات الوعي لخطورة ما يجري من مياه نتنة تحت الجسر الاجتماعي، فتكوين فرد إرهابي أصبح من السهولة لدى المتطرفين في عالم مفتوح وواهم، وحين نعيد أبناءنا الى العالم الحقيقي فإنهم سيعرفون أنهم وقعوا في مصيدة مجرمين وإرهابيين يقودونهم الى طريق النار وليس الجنة.