في واقع المدلولات حين نتحدث عن مفهوم النقد، سيقودنا الأمر إلى تفسير أداة مهمة ومهارة معتبرة من مهارات التفكير، فعندما يطلق على شخصٍ ما لقب ناقد فهو يمارس مهارة النقد التي هي بدورها عملية يستطيع الناقد من خلالها التحليل والتفكيك لما بين يديه من قضية أو موضوع. النقد هو أن تستمطر فكرك الثاقب بالرأي الصائب حول مسألة، أو حدث، أو مشكلة، أو قضية ما.. وتستعين بمعطيات وحيثيات مختلفة عبر استدعاء للماضي، واستقراء للحاضر، واستشراف للمستقبل فتُستبنط الأسباب والآثار والحلول، والزوائد والنواقص، والميل والاعتدال، والمفروض والمرفوض حول تلك القضية وتفاصيلها للوصول إلى نتائج معقولة، ومقبولة، ومثرية، وممتعة للمتلقي.. مؤكد ان النقد يحمل رسالة توصلنا لحقيقة ما، أو تكشف واقعا، أو تبيّن مضمونا باطنا.. ولكن يشترط أن تكون محاولة النقد محاولة تحفها الأدلة، وتغلّفها البراهين، وتبرزها الحجج.. والنقد في قيمته هو إثراء وليس إثارة فارغة.. وحقيقة ان تجربة النقد والتحليل الرياضي مع توسعها وتنوعها أصبحت في الوقت الحاضر عاملا أساسيا ومؤثرا في مجالنا الرياضي، وعنصرا جاذبا للقنوات الرياضية، مما يتوجب العمل على تطويرها من خلال تقييم وتقويم تلك القنوات لأداء من يسمّون بالمحللين والنقاد وأطروحاتهم لأن القضية ليست (سوالف) تطرح وتقذف على الطاولات بلا دراية ولا فهم.. وهذا التقييم ودراسته سيعين تلك القنوات على تقديم ناقدين ومحللين يمكن الاستفادة منهم بشكل مهني وعقلاني، ويمكن رصد اطروحاتهم لأي جهة يمكن ان تستفيد منها.. كما من المهم فصل مسألة النقاش والتعليق العابر على القضايا الرياضية عن واقع النقد الحقيقي.. ما يحدث الآن حين نشخّص واقع كثير ممن يسمّون نقادا نجدهم غالبا هم أصوات لأنديتهم وألوانهم ويمثلون ميولهم.. وقد يكون هذا مقصودا من بعض البرامج الرياضية العاشقة لأي إثارة بدون محتوى.. ولكنهم بعيدون جدا عن مفهوم النقد، حيث انهم يركزون على تعليقات عابرة على أي حدث أو قضية أو مباراة ويستدعون داخل هذا التعليق كثيرا من التعصب والإسقاطات والتهكمات فيكثر اللغط وتتكرر الثرثرة.. ويستمر كل منهم يرافع وينافح عن ناديه مهما حصل.. ويقتربون من النقمة من كل شيء فتجد كلا منهم يقدم نفسه "ناقما وليس ناقدا" ويبتعدون عن قيمة النقد بفهم وتفكيك الحدث وقراءته بوعي رصين يجمع بين السلب والإيجاب، والمشكلة والحل.. لا يعني انك تأتي باسم مشهور وهو "حكواتي" يحمل ميوله قبل فكره.. فيوضع له مسمى ضخم أننا سنحصل على نقد مبهر فالأسماء المشهورة لا تعني صناعة ناقد قدير ذي منطق مثير.