وسط انحسار حاد لقراءة الكتاب أضحت المكتبات المنزلية جزءاً من التراث أو الديكور، ويتساءل أصحاب المكتبات إن كان الزمن سيسعفهم للمحافظة على ما لديهم من كتب أم أنها ستصبح في يوم ما عبئاً ثقيلاً عليهم وسيطالها التقليم و(الدايت والريجيم) إلى أن تصل إلى حدها الأدنى؟!. مقتنو الكتب- فيما يبدو- لم يعد لديهم الحماس وقلت لديهم الرغبة في جلب المزيد رغم ما للكتاب من مكان أثير في نفوسهم ولعل ذلك يعود إلى ما يشبه نظرية النهر في بدايته وقوته ثم انحساره، فاقتناء الكتب يبدأ كنوع من الهواية يعقبها ذروة الاهتمام بشراء الكميات الضخمة من معارض الكتب وغيرها ثم يقل الاهتمام وتبدأ مرحلة العزوف وربما التوقف عن جمع الكتب وقراءتها. أعرف العديد من أصحاب المكتبات المنزلية ظلوا لسنوات يتابعون مواعيد معارض الكتب محلياً وفي الدول الخليجية والعربية فيسافرون ويجمعون الكتب وخاصة في تخصصاتهم العلمية أو اهتماماتهم الأدبية والثقافية فتكونت لديهم مكتبات ثرية بالعلم والمعرفة ولكن كيف هو الآن واقع هؤلاء ومكتباتهم؟! يبدو أن الأمور ليست على ما يرام، فغالب الكتب أضحت مكدسة وغير مرتبة ولا مفهرسة، وكثير منها وضعت في مستودعات غير مهيأة فتراكم عليها الغبار وأثرت عليها الرطوبة، هذا فضلاً عن أن دافعيتهم للقراءة والبحث والاستقصاء أصبح مؤشرها البياني في انحدار حاد ومستمر. في وقت مضى كان أصحاب المكتبات المنزلية يهدون بعضهم بعضاً الكتب المكررة أو من باب الإفادة لدارس أو صاحب تخصص علمي الآن لم يعد إهداء الكتاب أمراً مرغوباً حتى أنني رأيت من يعتذر بلباقة عن قبول إهداءات الكتب لمعرفته المسبقة أنه لن يقرأها وأن لا مكان عنده في منزله للمزيد منها ويبرر لنفسه أنه ربما استفاد قارئ أو مهتم بهذا الكتاب المهدى أكثر منه. هي ظاهرة مقلقة بلا شك فإذا كنا نعيب على أبنائنا من الجنسين عدم اهتمامهم بقراءة الكتب وعدم حرصهم على شرائها فكيف هو الحال مع أولئك العلماء والمفكرين والأكاديميين والأدباء والمثقفين الذين ابتعدوا عن الكتب قراءة واقتناءً ويحدثون أنفسهم بين وقت وآخر للتخلص منها كونها لم تعد تمثل لهم مؤخراً قيمة أو أهمية أو مكانة فيما يعتقدون ويظنون. إن أكبر مؤثر- في تقديري- لهذه المرحلة التي وصلت فيها المكتبات المنزلية والعامة إلى مرحلة الاحتضار هو التقنية الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة التي صرفت الكبير قبل الصغير عن اهتماماتهم وهواياتهم ومنها بكل تأكيد القراءة والاطلاع من الكتاب الورقي الذي لم تعد القراءة منه وتصفحه شيئاً جاذباً مقارنة بشغف تصفح الجهاز الكفي أو اللوحي الذي يدخل المستخدم في ضغطة لا تستغرق جزءاً من الثانية إلى أوعية معرفية ومكتبات رقمية تحتوي على مئات الملايين من العناوين في مختلف العلوم والمعارف والمجالات هذه الأوعية والمكتبات التي يسهل من خلالها الوصول إلى المعلومة المطلوبة عبر بحث بسيط ومتقدم في دقائق معدودة. وليس ثمة شك في أن هناك محبين لكتبهم ومكتباتهم ولا يزال حرصهم على القراءة يزداد بشكل مستمر هؤلاء الذين استطاعوا المواءمة بين الانفجار المعرفي والنمط التقليدي فهم يستفيدون من التقنية بالقدر الذي لا يؤثر على عاداتهم واهتماماتهم بالكتاب بل إنهم يرون ألا تعارض بين أن يستفاد من المواقع على شبكة (النت) وبين تصفح يدوي لكتاب ورقي في متعة لا تضاهيها متعة. ويبقى السؤال المهم: هل ستصمد المكتبات أم سنكون على موعد قريب لاستخراج شهادات وفاتها وحضور مناسبات تأبينها؟!