أكدت الصور الفضائية التي نشرتها مؤسسة "AllSource Analysis" المختصة بالرصد الجوي العسكري والاستخباراتي وصول دبابات روسية، وحاملات جنود، وطائرات مروحية، ومعدات عسكرية أخرى إلى قاعدة عسكرية في محافظة اللاذقية الساحلية في سوريا، في مؤشر على نشر جنود روس داخل سوريا. التدريبات العسكرية الجارية داخل روسيا، والمتزامنة مع مهمة طويلة الأمد لتدريب جنود محملين جواً، تشير إلى أن روسيا تسعى لتوظيف المزيد من القوات، غالبا داخل سوريا. وتظهر صور مؤسسة "AllSource Analysis" لقاعدة "تاجانروج" المركزية الجوية شرق الحدود الأوكرانية، في 12 سبتمبر/أيلول، جنوداً في الجو يتدحرجون عند هبوطهم بالمظليات على مدرج، جنباً إلى جنب عربات وخيم تبدو مجهزة لعمليات طويلة، أكثر من كونها معدة لتدريبات أو عمليات تفتيش مفاجئة. يأتي ذلك في حين يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعم نظام الأسد، عبر إفشال منطقة عازلة محتملة تسعى الولاياتالمتحدة وتركيا لتأسيسها، ولإحراج الولاياتالمتحدة عبر وضع روسيا كقائد لحلف دولي جديد لمحاربة تنظيم "داعش". أهداف بوتين الاستراتيجية وبحسب تقرير لمعهد دراسات الحرب الأمريكي، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لخلق تحالف بديل مضاد ل "داعش" يتضمن روسياوإيران ونظام الأسد، في تحدٍ مباشر للتحالف الذي تقوده أمريكا، والجاري حالياً ضد "داعش" في سوريا والعراق. فقد أعلن بوتين عن هذه الفكرة في خطاب في 15 سبتمبر في مدينة دوشنبة، بطاجكستان، أثناء قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التحالف العسكري ما بعد السوفييتي، الذي تقوده روسيا. وناقش بوتين أيضاً إرسال جنود لتقديم الاستشارة والدعم اللوجستي على طول الحدود الجنوبية الطاجيكستانية، حيث تعمل حركة أوزبكستان الإسلامية، المبايعة ل "داعش"، في محافظة كوندوز الأفغانية المجاورة. كما أعلن الكرملين عن إرسال جنود مظليين إلى مصر للمشاركة بتدريبات ضخمة لمكافحة الإرهاب، في حين تقدم تعليقات بوتين في قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي لمحة عن خطابه المتنظر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر. الأهداف الروسية ويضيف التقرير: يحقق نشر الجنود الروس في سوريا أهدافاً عدة، إذ يسمح لروسيا بتأمين مصالحها العسكرية على طول الساحل السوري، حيث توجد قاعدة طرطوس، القاعدة الأخيرة لروسيا في الشرق الأوسط، وحيث يعيش المواطنون مزدوجو الجنسية الروسية والسورية. أما الهدف الأكثر أهمية فهو تقديم الدعم المباشر للنظام السوري المتأرجح الذي قد يمثل الحليف العربي الوحيد لروسيا. وتنظر روسيا لنظام الأسد على أنه الحصن الحقيقي الوحيد ضد تمدد "داعش" والتنظيمات المسلحة الأخرى في الشرق الأوسط. وقد خسر نظام الأسد مساحات كبيرة واسعة قرب المناطق ذات الأغلبية العلوية في اللاذقية وحماة، إذ استطاع الثوار، بمشاركة "جبهة النصرة"، السيطرة على مدينة إدلب شمال غرب سوريا في مارس 2015، وطردوا نظام الأسد من كل المناطق المتبقية له في المحافظة، باستثناء واحدة، بداية سبتمبر/أيلول 2015 . ووضع هذا التقدم قوات المعارضة في موقع يسمح لها بشنّ هجمات في عمق أراضي نظام الأسد ذات الغالبية العلوية في محافظات اللاذقية وحماة. وعكست هزائم النظام السوري على الأرض مشاكل بنيوية أعمق، إذ يعاني جيش نظام الأسد من عجز دائم بالمقاتلين بسبب استنزافه، وتآكله، وفرار الجنود من الخدمة العسكرية، ما دفع النظام للاعتماد المتزايد على المقاتلين من التنظيمات الإيرانية بالوكالة، مثل حزب الله اللبناني. أضف إلى ذلك، أن قوات النظام مستنزفة بسبب الضغط العسكري الموزع في سوريا سعياً من بشار الأسد لإثبات ادعائه بأنه الحاكم الشرعي في "كل أنحاء" سوريا. مظاهرات وولدت المخاوف المرتبطة بتقدم الثوار الأخير موجة نادرة من المظاهرات الشعبية ضد الأسد في المناطق المؤيدة له في دمشق وحمص وحماة والساحل السوري، لتعبر عن غضب أوسع ولده فشل النظام الاستراتيجي. ووضعت هذه الظروف قدرة النظام على حماية الأراضي في معاقله الأساسية محل تساؤل وبالتالي قدرته طويلة الأمد على البقاء. وإن خطر انهيار النظام غير المسيطر عليه أصلاً، قد يشكل سبباً لحث روسيا على تأمين نظام الأسد بقدرة أكبر، إما لحمايته أمام الهجمات المستقبلية من "جبهة النصرة" والثوار في مناطق اللاذقية وحمص، أو للقيام بهجمات مضادة استباقية لهذه العمليات. نشر الجنود يخدم أهداف روسيا الجيو-استراتيجية لبناء قدرة عسكرية على البحر المتوسط، تستطيع من خلاله الصمود في حالة انهيار نظام الأسد أو زواله عبر عملية انتقالية سياسية. حملة ظاهرية وحشد القوات الروسية جنباً إلى جنب نظام الأسد هو حملة ظاهرية ل "مكافحة الإرهاب" تسعى لاستبدال الضغوط المعقدة على التحالف الحالي الذي تقوده أمريكا ضد "داعش"، إذ قد توفر الدعوات الروسية للتعاون في تحالف واسع جديد ضد "داعش"، يتضمن إيران ونظام الأسد، مزيداً من القوات الروسية على الأرض، خصوصاً إذا بدأ الطيران الروسي بشنّ طلعات جوية ضد "داعش". كما قد يهدف الحشد الروسي لاستباق التحركات الأمريكية المتزايدة ضد نظام الأسد. وساهمت الاتفاقية بين الولاياتالمتحدة وتركيا في يوليو 2015 بتعزيز فكرة نشر الجنود الروس، والتي سمحت للتحالف ضد "داعش" باستخدام القواعد الجوية التركية، وأدخلت الطيران التركي المقاتل في مهمات قتالية، وعملت على تنسيق منطقة عازلة خالية من "داعش" يسيطر عليها الثوار المعتدلون على طول الحدود التركية. ويبدو أن بوتين يسعى لإفشال التعاون بين أمريكا وتركيا لإنهاء مسعى "المنطقة الآمنة" شمال سوريا، والتي قد تمثل ملجأً للثوار الذين يحاربون نظام الأسد، إذ أدان الزعماء الإيرانيون مراراً المنطقة الآمنة، باعتبارها انتهاكا لسيادة الدولة السورية. تعزيز نفوذ بوتين ويعزز نشر الجنود الروس في سوريا كذلك نفوذ بوتين بالجولة الجديدة من المفاوضات حول حل سياسي للحرب "الأهلية" في سوريا. فاعل دولي وأعطت هذه الجهود لروسيا فرصة لحماية مصالحها في سوريا ونشر صورتها كفاعل دولي مسؤول، لتتمكن من معالجة نفسها من الدمار الذي سببته لنفسها عبر الاحتلال المقنع لأوكرانيا. أوروبا تنحاز لبوتين الدول الأوروبية، وتحت ضغط أزمة اللاجئين الناتجة عن الحرب "الأهلية" السورية، تحركوا نحو انحياز أقرب مع الموقف الروسي من نظام الأسد خلال الأسابيع الأخيرة. وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كيرز قال في 8 سبتمبر: إن المجتمع الدولي يحتاج أن يتبنى "مسعى براغماتياً" يدخل الرئيس بشار الأسد في القتال ضد "داعش". وفي اليوم التالي، أعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن الأسد يمكن أن يظل في منصبه لمدة تصل ستة شهور في أية مرحلة انتقاليةكما شكلت روسيا "موقفاً مشتركاً" من الصراع لتعزز قدرتها على تشكيل حل نهائي في سوريا، إذ كان الإعلان عن أن إيران ستدخل في "المرحلة العملية" من خطتها السياسية لإنهاء الصراع السوري في 15 سبتمبر، بعد مشاورات قريبة مع روسيا، تشير إلى أن نشر الجنود الروس قد تم تنسيقه مع إيران لتحقيق التأثير السياسي الأكبر ضد أمريكا وحلفائها، إذ قد يكون هذا التنسيق أحد أكبر أهداف زيارة قائد فيلق القدسالإيراني قاسم سليماني إلى موسكو. التدخل الروسي تحليل الصور الفضائية المتاحة والمصادر المفتوحة يشير إلى أن البناء الجديد للقوات العسكرية الروسية في سوريا بدأ في يوليو 2015، وتسارع بشكل ملحوظ في نهاية آب- سبتمبر. في نهاية أغسطس، شحنت سفينة الإنزال الروسية (نيكولاي فيلتشينكوف) شحنة من ناقلات الجنود المدرعة المتقدمة (BTR-82A) إلى محافظة اللاذقية بعد مرورها بمضيق البوسفور في 20 أغسطس. وأظهرت الصور التي رفعها مقاتلون مع مليشيا "قوات الدفاع الوطني" المقاتلة مع نظام الأسد في 23 أغسطس واحدة من ناقلات الجنود هذه، ويقودها كما يبدو جندي يتحدث الروسية ويشارك في الاشتباكات مع الثوار شمال شرق محافظة اللاذقية. ونشرت صحيفة الوطن، التي يديرها نظام الأسد، بعدها بثلاثة أيام، تقريراً أشار إلى أن روسيا بدأت بتوفير صور فضائية لقوات النظام، وتنوي تأسيس قاعدة عسكرية في جبلة، جنوب اللاذقية. وهذه التقارير المبدئية تبعها بسرعة تقارير عن نشاط روسي مكثف في مطار باسل الأسد الدولي قرب جبلة، في محافظة اللاذقية. وقال مسؤولون أمريكيون في الاستخبارات الروسية: إن طائرات النقل العسكري الروسي سلمت منازل مسبقة الصنع لما يقارب 1000 جندي، بالإضافة إلى برج تحكم جوي محمول للمطار في 4 سبتمبر. أسلحة متطورة وأشارت المصادر السورية المحلية إلى أن بدء نشاط البناء سيمتد إلى مدرجات المطار ومبانيه في الوقت نفسه. ونقل مسؤولون أمريكيون لاحقاً وصول ما يقارب 200 جندي روسي، بينهم أفراد من لواء 810 للمشاة البحرية، المشارك سابقاً في ضم شبه جزيرة القرم، بتاريخ 10 سبتمبر، وتسليم ست دبابات على الأقل من نوع (T-90) المقاتل، و15 مدفعية، و35 ناقلة جند مدرعة، ومنازل مسبقة الصنع ل 500 جندي إضافي على الأقل في 21 سبتمبر. وسلمت كمية ضخمة من هذه المعدات عبر أربع ناقلات من نوع "روبوشا"، وناقلتين من نوع "أليجاتور"، عبرت مضيق البوسفور بين 26 أغسطس و10 سبتمبر. فيما استمر بوتين ومسؤولون روس كبار بالتأكيد على أن الروس يقدمون "دعماً عسكرياً تقنياً"، بجانب "عقود فعالة" لناقلات الجنود المدرعة، وقاذفات المدافع، والذخيرة. وأثناء ذلك، كانت رحلات الشحن التي قامت بها طائرات الشحن الروسية "IL-76" و"An-124" لمطار باسل الأسد الدولي مستمرة بما يقارب رحلة أو رحلتين يومياً، بينما تشارك المقاتلات الروسية البحرية من أسطول البحر الأسود بجولات عدة من التدريبات العسكرية المرتبة حديثاً قرب الساحل السوري، والتي يتوقع أن تستمر حتى 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وتؤكد الصور الفضائية الملتقطة في 15 سبتمبر، والتي قدمتها مؤسسة "AllSource Analysis" وجود عدة دبابات مقاتلة؛ 26 حاملة جنود مدرعة من نوع "BTR"، مدفعيات روسية، مروحيتين من نوع "Mi-24" المعروفة باسم "Hind"، مروحيتين من نوع "Mi-17" المعروفة باسم "Hip"، وعدداً من الشاحنات بمطار باسل الأسد الدولي. يشير وجود هذه المركبات إلى أن روسيا لا تنوي فقط حماية قواعدها العسكرية في اللاذقية وطرطوس، ولكن تأسيس قوات لها خارج هذه المواقع في عملية هجوم مضاد. هذه المعدات متسقة مع تتمة لواء 810 للمشاة البحرية، مما يشير إلى أن روسيا نشرت بالفعل جنوداً على أرض سوريا، وليست مجرد معدات لدعم نظام الأسد. ويخلص التقرير الى أن الأنباء عن وصول 15 حافلة من الجنود العسكريين لمدينة حماة يشير إلى أن روسيا نشرت المزيد من الجنود على الأرض بعيداً عن اللاذقية، كما يشير وصول الدبابات المقاتلة، وحاملات الجنود، والشاحنات، و200 جندي روسي إلى اللاذقية إلى أن روسيا تستعد للانتشار أكثر داخل سوريا. وقد يؤخر الدعم الروسي لنظام الأسد انهيار النظام، كما قد يدفع المقاتلين الشيشان في صفوف "جبهة النصرة" و"داعش" للمواجهة المباشرة مع القوات الروسية في سوريا، كما أن الحشد الروسي داخل سوريا يرفع مزيداً من خطر عدم الاستقرار والتطرف المحتمل داخل فصائل المعارضة، على نحو يضاد مهمة التحالف في حربها على "داعش" الذي تقوده أمريكا، ويقوّض هدف الانتقال السياسي في سوريا عبر تقليل حافز الأسد بتقديم التنازلات، ورفع المقاومة داخل فصائل المعارضة للمشاركة بها، بالإضافة لإظهاره المحددات القصوى للدعم الأمريكي العسكري للمعارضة السورية، ما يقلص إمكانية استمرار التحالفات ضد "داعش" على الأرض. خطاب روسيا حول تحركاتها لمكافحة "داعش" لن يقلل هذه الظروف السلبية. تغيير المعادلات ويغير نشر الجنود الروس في سوريا المعادلات، إذ إنه يغير طبيعة المفاوضات الدولية، ويؤدي إلى تقويض وإضعاف تماسك جهود التحالف الذي تقوده أمريكا لمكافحة "داعش"، كما يقوي نظام الأسد، ويبدأ عمليات عسكرية مباشرة روسية -إيرانية للمرة الأولى (المقترحة لتشكيل تحالف روسي إيراني عسكري بطبيعة الحال، على الأقل في سوريا). وعلى الولاياتالمتحدة وحلفائها إعادة تقييم مساعيهم في الصراع السوري بشكل جوهري، في ظل هذه التغيرات الحرجة.