حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    جدّة الظاهري    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المملكة وفقت بين شؤونها ومصالحها الداخلية وبيئة التقلبات العالمية
السياسة الخارجية السعودية.. ثمانية عقود من الاتزان الدبلوماسي
نشر في اليوم يوم 23 - 09 - 2015

تحتفل المملكة العربية السعودية، بيومها الوطني ال 85 تخليداً لذكرى توحيد المملكة وتأسيسها على يدي الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله الذي أعلن قيام المملكة العربية السعودية في العام الهجري 1351، الموافق للثالث والعشرين من برج الميزان لعام 1932م. واستطاع الملك المؤسس ومن بعده أبناؤه البررة أن يقودوا بنجاح متميز سياسة المملكة الخارجية في عالم تعقدت فيه العلاقات الدولية، وتناقضت وتميزت بالصراعات والنزاعات.
تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز زمام الأمور في المملكة في ظروف إقليمية استثنائية، حيث تشهد المنطقة العربية تغيرات جيوسياسية خطرة دفعت المملكة الى التزام مفهوم الردع الأمني والدفاعي في سياستها الخارجية، وفي ظل الأوضاع الملتهبة في اليمن وسوريا والعراق وغيرها، وتململ سياسة الإدارة الأمريكية الحالية وتذبذب مواقف القوى العظمى تجاهها، أدركت المملكة أن عليها أن لا تنتظر بعدا خارجيا في معادلات المنطقة ينسجم وتوجهاتها السياسية فصنعت لها مكانا في الاستراتيجيات الاقليمية لتحمل عبء تأمين منطقة شبه الجزيرة العربية، وفي ذات الوقت الذي اتبعت فيه دبلوماسية «السيطرة على المخاطر»، لا يزال أسلوب الحكمة والاتزان موقفا مبدئيا يهيمن على سياستها الخارجية.
فمنذ تأسيسها قبل أكثر من ثمانية عقود، ونظرا لموقعها الجغرافي المميز الذي يغلب على شبه الجزيرة العربية، وتبوئها مركزين عالميين، دينيا واقتصاديا، فقد أهلها ذلك الى أن تكون قطبا اقليميا وعربيا واسلاميا، فضلا عما تتمتع به من احترام على الصعيد الدولي، ونظرا لأنها محاطة بممرات بحرية دولية وتتسع رقعتها الجغرافية لجأت الى إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية مع دول الجوار بما يضمن إشاعة مناخ من السلم والأمن الاقليميين وانسجاما مع روح الإخاء والتعاون بين الدول الشقيقة.
ومنذ تأسيسها انتهجت المملكة العربية السعودية سياسة خارجية محافظة ومعتدلة وجادة بعيدا عن الشعارات الجوفاء والتطبيل لسياسات لا تثمر، ما أكسبها سمعة دولية مرموقة ومصداقية تؤتي أكلها عند الحاجة، وهو ما ظهر جليا في واقع تعاملها مع أزمات الأمس واليوم.
سمات ومبادئ
ومن أبرز سمات السياسة الخارجية للمملكة: رفضها مبدأ اللجوء إلى القوة كأداة في تنفيذ السياسة الخارجية مع الالتزام في نفس الوقت بحق الدفاع المشروع عن النفس من أجل الحفاظ على المصالح العليا، (اليمن مثالا)، التزام أسلوب الحوار والمفاوضات سبيلا عمليا لتحقيق الأهداف بعيدا عن الانفعال والصخب الاعلامي، التحرك الايجابي في مجال الوساطات لحل الخلافات، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورفضه في شؤونها الداخلية، عدم الدخول في أحلاف أو محاور مع دول أخرى واستبدال ذلك بإقامة صداقات متينة مع أغلب دول العالم ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. الحرص على إقامة جسور التعاون في مختلف المجالات مع الدول الشقيقة والصديقة بما يلبي المصالح العليا للوطن ويخدم الأمتين العربية والاسلامية. وما يميز سياسة المملكة عن السياسات الخارجية للكثير من دول العالم، التزامها ضبط النفس إزاء الاستفزازات، فهي تتأنى في اتخاذ مواقفها وتدرسها وتتحين الفرص لمعالجة الأحداث بما يخدم مصالحها الوطنية، وظهر ذلك جليا خلال أزمات المنطقة في العقود الثلاثة الأخيرة.
وانسجاما مع أهداف سياستها الخارجية، بذلت المملكة جهودها في تأسيس وأنشطة المنظمات الدولية والاقليمية، كما في الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة لها، ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932 على يد الملك عبدالعزيز آل سعود وسياستها الخارجية تبحر وفق ثوابت الدين والوطن في عجاج العلاقات الدولية التي تنوعت ملفاتها على مدار عقود طويلة من الأزمات الاقتصادية والحروب العسكرية العالمية والاقليمية الى أن وصلت حاليا الى «الحرب على الإرهاب».
ويلاحظ المحللون السياسيون أن السياسة الخارجية السعودية لم تتأثر سلباً بالعوامل الداخلية في الحالة السعودية، والتي شهدت مراحل التطور والبناء الذاتي على مسيرة التنمية الشاملة، فلم تنشغل بهذه العوامل عن رسالتها على المستوى العربي، بل استطاعت التوفيق بين شؤونها ومصالحها الداخلية والشأن العربي العام والعمل على تحقيق مصالحه ودعم قضاياه، بالرغم من المراحل المتفاوتة والتقلبات الاقتصادية والسياسية في العالم.
الدولة القوية
ورغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالمنطقة في فترة تأسيس المملكة، أسهم الملك عبدالعزيز في تدعيم مكانة الدولة السعودية على الساحة الدولية في وقت كانت القوى العظمى تسيطر على معظم العالم العربي، فقد كانت بريطانيا والدولة العثمانية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تتنافس بشدة على حماية مصالحها ومناطق نفوذها التي كانت تحيط بالملك المؤسس، لكنه تمكن أخيرا من انتهاج سياسة خارجية واضحة اعتمدت على مبادئ كبرى تتصل بأهداف الدولة السعودية ومنهجها القائم على تأسيس دولة قوية تساند دعوة الاسلام وتستند إليها دون إفراط ولا تفريط.
وأكثر ما يتجلى ثبات ومبدئية مواقف المملكة الخارجية منذ عهد المؤسس، في قضية فلسطين التي عاصرها رحمه الله في بداياتها الأولى وظلت ولا تزال تشكل محورا أساسيا بل في مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية السعودية. كما يعد دعم الملك عبدالعزيز لتأسيس جامعة الدول العربية وتأييده لاستقلال العديد من الدول العربية والإسلامية شاهداً على أن هذه السياسة تعد من الثوابت السعودية إلى اليوم.
البناء الاقتصادي
واقتصاديا، أتى بعد نظر الملك المؤسس بثماره عندما حرص على اكتشاف موارد تستقل بها الدولة ويذخر بها الوطن، فسخر إمكانات الدولة في التنقيب عن النفط وما لبث أن تفجرت آباره خلال عقد من عمليات التنقيب أعقبه تطور صناعته واستخراج المعادن وازدياد حركة التجارة والعلاقات التجارية الدولية بين المملكة والعالم الخارجي، فإذ بالطرفين يرفدان بعضهما البعض بمقومات التطور والتقدم، حيث استفاد الملك عبدالعزيز من وسائل التقدم والتطور في العالم الغربي وقام بجلبها إلى المملكة وتوظيفها في خدمة التطور الحضاري الذي أرسى قواعده بفضل سياسته الحكيمة المبنية على الأخذ بأسباب الحضارة في إطار مبادئ الشريعة الاسلامية السمحاء، فنتج عن هذه السياسة الفذة تطور للدولة والوطن في شتى ميادين الحياة محققاً بذلك معادلة عظيمة في الامتزاج بين الأصالة والمعاصرة، ما زلنا نلمس آثارها ونعيشها واقعا يوما بعد يوم.
وأضحت المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز ذات مكانة دولية خاصة حيث انضمت إلى العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية، نتيجة لموقعها العظيم ورسوخها، بل كانت من أوائل الدول التي قامت بتوقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة عام 1364ه (1945م) وأسهمت في تأسيس العديد من المنظمات الدولية التي تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار والعدل الدولي مثل جامعة الدول العربية في عام 1364ه (1945م). لقد حرصت المملكة العربية السعودية في المجال الدولي على تأسيس علاقات مصانة مع القوى الكبرى وارتبطت معها بشبكة من المصالح التي يمكن وصفها بأنها جاءت انعكاسا لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، والتي سعت من خلالهما إلى توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد المجتمع الدولي، لذا تحاول المملكة أن تتفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات.
وبعد عقود من التزام النهج المتحفظ والحذر في السياسة الخارجية، فرضت أحداث العالم في العصر الحاضر على السياسة الخارجية للمملكة تبنِّي مقاربات أكثر براغماتية لتجنب تداعيات أهم الأحداث التي عصفت بالمنطقة كحرب الخليج الأولى والثانية وأحداث ال 11 من سبتمبر 2001، الذي رسخ في المجتمع الدولي مفهوم الحرب على الإرهاب، مرورا بأزمة اليمن راهنا.
منطقة الخليج
أبرم الملك المؤسس نحو 22 اتفاقية ومعاهدة أمنية واقتصادية وسياسية مع دول الخليج العربية لتوطيد التعاون الوثيق بينها وتجنب ما يعكر العلاقات بينها وهو ما أثبتته الأحداث المتعاقبة على المنطقة، ومن أبرزها تداعيات الحرب العراقية الايرانية وحرب الكويت 1991.
وارتكزت السياسة الخارجية السعودية في الدائرة الخليجية على تصفية الخلافات حول مشاكل الحدود، التنسيق والتعاون الاقتصادي والنفطي وإيجاد صيغ لاتفاقات أمنية تخدم استقرار الدول وشعوبها وتوج ذلك بقيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981م.
وبرزت السياسة الخارجية السعودية في إطار مجلس التعاون طوال سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988م)، وقادت حملة دبلوماسية وأمنية واسعة للتصدي لأي انتشار للحرب باتجاه دول الخليج العربي، كما كان للسياسة الخارجية السعودية دورها الفاعل في مواجهة الاحتلال العراقي للكويت والسنوات التي أعقبت إخراج العراق من الكويت، وأثبتت السياسة الخارجية السعودية أنها لا تقبل أي مساومة في أي جزء من ثوابتها تجاه دول الخليج العربي في إطار المجلس ومواثيقه واتفاقاته.
ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية والدائرة الخليجية تعتبر من أهم دوائر السياسة الخارجية السعودية بسبب أواصر القربى والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي والقواسم المشتركة التي رسخت الرغبة في تنسيق السياسات المشتركة وأهمها الأمنية والدفاعية في خضم أزمات وصراعات تحيط بالمنطقة، حيث اتفق القادة على إنشاء (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) في عام 1981م، بين الدول الست، السعودية والبحرين وقطر والكويت والإمارات وسلطنة عمان.
واليوم تعيش منطقة الخليج على وقع الاتفاق النووي بين ايران والقوى الكبرى فنشطت الدبلوماسية السعودية على كافة الأصعدة لمواكبة تحديات المرحلة بهدوء وعقدت اتفاقيات تعاون مختلفة تمثل اضافة لخدمة مواطنيها أداة في معالجة الوضع الجديد في المنطقة.
بواكير العلاقات الدولية
بدأت العلاقات السعودية مع العالم الخارجي بداية طبيعية لدولة وليدة تتكون، فبعد فتح الرياض وضم العديد من مناطق نجد تحت لواء الأمير (الملك لاحقاً) عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، كان على الأمير الشاب أن يؤسس علاقة حذرة مع السلطات العثمانية المهيمنة، آنذاك، على الشام والحجاز والعراق، على الأقل لتمتنع عن استخدام قوتها الهائلة لمحاربته، خاصة بعد أن انتزع منهم الأحساء، وعقد الملك عبدالعزيز اتفاقية مع الدولة العثمانية في 20 جمادى الآخرة سنة 1332ه 17 مايو 1914م، عينه الباب العالي حاكماً على نجد. وكان التعيين نوعاً من الإجراء، يحتاجه الملك عبدالعزيز للاعتراف حاكماً لنجد. لكن الملك عبدالعزيز كان يتطلع إلى توسيع إمارته خاصة باتجاه تحرير الحجاز، مما يعني صداماً محققاً مع العثمانيين. وبدأ أمير نجد الجديد (الملك عبدالعزيز) يتصل بقوى خارجية أخرى، إذ لا يمكن الركون إلى الاتراك، فيمكنهم في أية لحظة الانقلاب إلى أعداء، بالنظر إلى أنهم يعادون أية قوة عربية صاعدة، خشي أن تنتزع من سلطتهم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبالتالي انتزاع لقب الخلافة من الباب العالي. كما أن العثمانيين استمروا في التحالف مع القوى المعادية لعبدالعزيز آل سعود.
كان الأمير (الملك المؤسس) عبدالعزيز قد التقى وكيل بريطانيا السياسي في الكويت الكابتن وليام هنري شكسبير، سنة 1328ه/1910م. وكان ذلك أول لقاء، بين الملك عبدالعزيز ومسؤول بريطاني. وتابع الأمير الشاب اتصالاته ببريطانيا التي كانت تتردد كثيراً في تأسيس علاقة مع ابن سعود خشية أن يهيمن على مشيخات الخليج العربي، على الرغم من أن المقيم السامي البريطاني في بوشهر (المسئول عن الخليج العربي) برسي كوكس، نصح سلطات بلاده بالتعامل مع الملك عبدالعزيز، إذ كتب قائلاً: «أصبح الإمام (الملك عبدالعزيز) مسيطراً في أواسط جزيرة العرب. وإنه، لذلك، يجب الاتصال به».
القوى العظمى
وشجع نجاح الملك عبدالعزيز في الاستيلاء على منطقتَي الأحساء والقطيف، وإخراج العثمانيين منهما، سنة 1331ه/ 1913م، الحكومة البريطانية على تأسيس علاقات مع السيد الجديد لنجد. وبدأت محادثات بين الجانبين توجت بعقد اتفاقية دارين عام 1334ه/ 1915م. ومن أهم بنودها:
اعتراف بريطانيا بالأمير عبدالعزيز آل سعود حاكماً مستقلاً لنجد، والأحساء، والقطيف، والجبيل، وملحقاتها.
مساعدة بريطانيا الملك عبدالعزيز على أي دولة، تعتدي على أراضيه.
تعهد الملك عبدالعزيز بأن يمتنع عن التدخل في أراضي إمارات الخليج العربية، التي هي تحت الحماية البريطانية.
بحكم أن العراق تحت النفوذ الإنجليزي فقد رعت بريطانيا عقد معاهدة المحمرة، بين الملك عبدالعزيز والعراق، سنة 1340ه/ 1922م. وكذلك مؤتمر العقير، سنة 1341ه/ 1922م، الذي عُينت فيه الحدود بين البلاد السعودية وكلٍّ من الكويت والعراق. كما أقرت في ذلك المؤتمر تبعية قريات الملح، ووادي السرحان للملك عبدالعزيز.
وفي العام 1344ه/ 1925م أبرمت اتفاقية جدة بين الملك عبدالعزيز وحكومة الأردن، حددت فيها الحدود بين الجانبين.
بريطانيا
وبعد أن حرر الملك عبدالعزيز الحجاز، وأصبح لقبه «ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها» عقدت معاهدة جدة، في 18 ذي القعدة 1345ه/ 20 مايو 1927م، اعترفت فيها بريطانيا باستقلال بلاد الملك عبدالعزيز استقلالاً تاماً، داخلياً وخارجياً. وتوجت العلاقات السعودية البريطانية بلقاء بين الملك عبدالعزيز ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في مصر، حيث استقبل الملك رئيس الوزراء تشرشل في فندق «الأوبرج»، في الفيوم ضحى الأحد 5 ربيع الأول 1364ه (17 فبراير سنة 1945م)، وانفرد بتشرشل نحو ساعة. وتناول الجميع طعام الغداء على مائدة الملك. وفي وقت لاحق تبادل الملك وتشرشل الرسائل في شؤون تتعلق بالعلاقات الثنائية وقضية فلسطين على وجه التحديد، إذ بعث الملك إلى تشرشل خطاباً غاضباً حيال ما يروج وقتها أن بريطانيا تسعى إلى تأسيس وطن بديل لليهود في فلسطين، وبين الملك في رسالته بكل وضوح الحق الفلسطيني العربي ودحض حجج الحركة الصهيونية في تبعية اليهود لفلسطين.
ومنذ أن بدأ التمثيل الدبلوماسي، بين الحكومتَين، البريطانية والسعودية، سنة 1344ه/ 1926م، أخذت العلاقات السعودية البريطانية تنمو بشكل تدريجي. وبعد انتهاء الملك عبدالعزيز من مقابلة الرئيس الأمريكي روزفلت، في البحيرات المرة، في قناة السويس، عام 1945.
روسيا
بدأت العلاقات السعودية الروسية مبكراً فقد اتصل أوسنيكو القنصل الروسي في بوشهر بالإمام عبدالرحمن والد الملك عبدالعزيز، حينما كان الإمام في الكويت وقبل قدومه إلى الرياض وفتح معه موضوع العلاقات. وكان اتحاد الجمهوريات السوفيتية هو أول دولة تعترف بسلطة الملك عبدالعزيز، ففي 16 شباط (فبراير) 1926 سلم كريم حكيموف، القنصل المفوض في جدة، الملك عبدالعزيز مذكرة اعتراف بشرعية ملكه على الحجاز ونجد وملحقاتهما. وجرت مباحثات بين موسكو والرياض بشأن زيارة وفد برئاسة الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز إلى روسيا، وفي عام 1345ه، 1927م أرسل الملك عبدالعزيز خطابا الى سكرتير اللجنة التنفيذية المركزية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية ميخائيل كالينين، اخبره فيه بأن الظروف اضطرت نجله فيصل الى عدم زيارة الاتحاد السوفيتي، وأنه يرجو أن تتيح الظروف في المستقبل إتمام الزيارة.
وفي الحقيقة فإن ممارسات الحكومة الشيوعية السوفيتية ضد الأوقاف الإسلامية وضد المسلمين جعلت الملك عبدالعزيز يتردد في تكوين علاقة استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك فإن الأمير (الملك) فيصل قد زار روسيا عام 1932 حيث كتبت صحيفة «ازفيستيا»، الرسمية الناطقة بلسان اللجنة التنفيذية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، افتتاحية قالت فيها إن الملك عبدالعزيز نهض ب«حركة تحرير وطني» وهو رمز للاستقلال العربي. وأن الاتحاد السوفيتي هو أول دولة تعترف بالحكومة السعودية بلا تحفظات وامتدحت إصلاحات الملك عبدالعزيز في جزيرة العرب. وجرى للأمير فيصل استقبال حار في موسكو. ورحب ميخائيل كالينين سكرتير اللجنة المركزية لاتحاد الجمهوريات السوفيتي بالامير فيصل، ولكن العلاقات السعودية الروسية انقطعت لاحقاً بسبب جرائم ستالين والقسوة البالغة التي اعتمدها ضد المسلمين والدين الإسلامي. ولم تعد العلاقات بين البلدين سوى في عام 1988 عندما زار الامير سعود الفيصل وزير الخارجية العاصمة السوفيتية للبحث عن مخرج للحرب في افغانستان بجلاء قوات الاحتلال الروسية.
فرنسا
اعترفت فرنسا بالملك عبدالعزيز، سنة 1344ه/1926م. وفي عام 1929م أرسلت باريس قنصلا يمثل الجمهورية الفرنسية إلى الرياض. وعقدت معاهدة «الجزيرة»، بين الطرفَين، سنة 1350ه/ 1931م. وفي سنة 1350ه/1931م، وقعت المملكة وفرنسا معاهدة أخرى، تخص سوريا ولبنان، اللذَين تحت انتدابها. وتضمنت هذه المعاهدة «حقوق وشؤون التعامل بين رعايا الطرفَين، وطرق معاملتهم، في أراضي الغير. كما أفردت فصلاً خاصاً لتنظيم تنقل العشائر والقبائل، ومزاولة التجارة، وسبل فض المنازعات، واستيفاء الرسوم والضرائب، والإقامة، وممارسة الحرف والصناعات، في كل من سوريا ولبنان ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها». وأرسلت فرنسا أول بعثة ديبلوماسية إلى المملكة عام 1936م. وتوجت العلاقات بزيارة تاريخية قام بها الملك فيصل بن عبدالعزيز إلى باريس عام 1967م.
الولايات المتحدة
بدأت العلاقات السعودية الأمريكية باتفاقية عقدت في لندن في 1352ه الموافق 1933م. وتضمنت اتفاقية قنصلية ومعاملة رعايا الدولتين، ومفاهمات وفقاً للقانون الدولي. وفي هذه السنة وقعت اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط بين الحكومة السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا الأمريكية لمدة ستين عاماً. وأن تقرض الشركة الحكومة السعودية 30 ألف جنيه ذهبي، ثم تقرضها عشرين ألفاً، بعد ثمانية عشر شهراً، وتدفع إليها خمسة آلاف جنيه، إيجاراً سنوياً، ثم تدفع إليها بعد اكتشاف النفط، أربعة شلنات عن كل طن منه.
وأقيمت علاقات تمثيل قنصلي بين البلدين عام 1937 ورفع التمثيل إلى مفوضية في عام 1940م. وكان عام 1357ه/ 1938م، هو عام اكتشاف النفط، في بئر الدمام رقم 7 الشهير في هضبة الظهران. وفي عام 1947م، أصبح اسم شركة البترول الأمريكية، شركة الزيت العربية الأمريكية «أرامكو» التي أصبحت في الثمانينيات «شركة الزيت العربية السعودية «أرامكو السعودية» بعد أن تملكتها الحكومة السعودية بالكامل. وبعد 11 عاماً من العلاقات القنصلية رفع التمثيل الديبلوماسي بين البلدين إلى مستوى سفراء.
وشهدت العلاقات السعودية الأمريكية نقلة تاريخية بلقاء جمع الملك عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن طراد أمريكي في البحيرات المرة، في قناة السويس، في ربيع الأول عام 1364ه/ 15 فبراير 1945م. واتفق الزعيمان على مجموعة من المبادئ التي ساهمت في تطوير العلاقات، وأهمها أن تضمن الصداقة الأمريكية السعودية سلامة الأراضي السعودية وألا يتم أي احتلال عسكري للأراضي السعودية على غرار ما حدث في إيران والعراق. وأن تؤيد الولايات المتحدة الأمريكية المبادرات، التي تتخذها الدولة السعودية، إسهاماً في تحرير الشعوب العربية، الرازحة تحت نير الاحتلال الأجنبي. وجرت مناقشة قضية فلسطين وعارض أي خطوة لتوطين اليهود في فلسطين. ثم تواصلت العلاقات بين البلدين لتشهد ازدهاراً لعقود طويلة في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين.
الصين
طوال عقود، لم يتسن إقامة علاقات سياسية مع الصين بشكل مناسب، حتى عام 1988 حيث عقدت الصفقة الشهيرة للصواريخ الهجومية ارض/ ارض بعيدة المدى ومعدات عسكرية أخرى بين المملكة والصين التي تمت بين دولتين لا تقيمان علاقات ديبلوماسية. ويبدو أنها كانت هذه الخطوة الأولى للتبادل الفعلي للمصالح بين البلدين وافتتح في كل من العاصمتين مكتب للتمثيل التجاري في نوفمبر من نفس العام 1998م. وبعد سنتين وفي 21 يوليو عام 1990م اقيمت علاقات ديبلوماسية كاملة على مستوى السفراء بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية. وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله أول زعيم سعودي يزور الصين في اكتوبر عام 1998 حينما كان ولياً للعهد. وأجرى الرئيس الصيني جيانج تسه مين زيارة إلى المملكة في نوفمبر 1999م.
المنطقة العربية
وعربيا، تولت المملكة دورا قياديا في قضايا الأمة وتعاظم دورها في النظام السياسي العربي، وبرز كوسيط ذي دور توفيقي في الكثير من النزاعات التي تخص الدول العربية. وبلغ دورها في مستوى الصراع العربي مع اسرائيل، أن وصفت بأنها دولة مواجهة.
وعنيت السياسة الخارجية السعودية بالأسس التي يجب أن تقوم عليها العلاقات العربية وتتلخص في: الحق الكامل في استقلال وسيادة الدول العربية ودعم التضامن بينها.
أدركت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها أهمية العمل العربي المشترك وتوحيد الصف العربي، لذا فقد سعت مع ست دول عربية مستقلة آنذاك للاجتماع في محاولة صادقة لوضع آليه لتنظيم العلاقات العربية والعمل العربي المشترك ولخدمة مصالح هذه الدول وقضاياها، فكان تأسيس «جامعة الدول العربية» والتوقيع على ميثاقها في شهر مارس من العام 1945م. والسياسة الخارجية السعودية في دائرتها العربية ترتكز على مبادئ وأسس ثابتة نذكر منها حتمية الترابط بين العروبة والإسلام، فالمملكة تمتاز بكونها مهد الإسلام ومنبع العروبة، وهذا تأكيد سعودي دائم منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وأبنائه من بعده.
وأولت المملكة اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، وعنصراً رئيسياً في سياستها الخارجية. واستخدمت في السبعينيات النفط أداة في سياستها الخارجية في هذا الشأن وفي الثمانينيات قدم (ولي العهد آنذاك الأمير) الملك فهد بن عبدالعزيز مبادرة عربية للسلام لم تتجاوب معها الأطراف المختلفة كما ينبغي وفي عام 2002م قدم (ولي العهد آنذاك) الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مبادرة أخرى للسلام لحل الصراع العربي الإسرائيلي, حظيت بقبول عربي شامل فعرفت بمبادرة السلام العربية التي عطلتها اسرائيل بممارساتها وعدوانها المتكرر على الشعب الفلسطيني ورفضت الالتزام ببنودها.
وتعد الأزمة اللبنانية التي استغرقت حربها خمسة عشر عاما، من أكبر تجليات الدور السعودي في مساعي التوفيق بين الأشقاء العرب ومصالحهم وعلاقاتهم بالقوى الأجنبية.
العالم الاسلامي
يعد الدين الاسلامي أهم العوامل المؤثرة في عملية تحديد أولويات السياسة الخارجية السعودية. وفي سبيل تحقيق التضامن الإسلامي سعت المملكة وبادرت مع شقيقاتها الدول الإسلامية لإقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية ومنها رابطة العالم الإسلامي في عام 1962م، ومنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1969م التي تغير اسمها قبل وقت قريب الى «منظمة التعاون الاسلامي» واحتضنت المملكة مقريهما، وينبع ذلك الجهد من إدراك مفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، والعمل على تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية، وتقديم المعونات الاقتصادية للدول والمجتمعات الإسلامية ذات الإمكانيات المحدودة.
حوار الحضارات ومكافحة الإرهاب
وشجعت المملكة الدول الاسلامية على الانخراط في «حوار الحضارات» الذي أطلقه الملك عبدالله بن عبدالعزيز «رحمه الله» وأسس لأجله «مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات» تتويجا لجهوده في نشر ثقافة الحوار والتعايش السلمي بين البشرية وهو أول مؤسسة عالمية مستقلة تقوم بدور محوري على صعيد التواصل بين أتباع الأديان والثقافات.
وخلال العامين الماضيين قامت المملكة بجهد حثيث ومتواصل من أجل دعم الجهود الدولية في مكافحة الارهاب، إذ أدت الصراعات السياسية في الشرق الأوسط، إلى تنامي هذه الظاهرة، التي بدأت تأخذ أشكالا مختلفة ومنحنيات أكثر حدة في الإضرار بالسلم والأمن في العالم، وهو ما استوجب العمل على هذا الملف بشكل يضمن انخراط المجتمع الدولي في جهود مكافحة الارهاب.
وكان أن استضافت المملكة خلال العامين المنصرمين مؤتمرين يعنيان بمكافحة الإرهاب في إطار الأمم المتحدة. ففي العام المنصرم اجتمع في جدة المجلس الاستشاري لمركز الامم المتحدة لمكافحة الارهاب الذي تترأسه المملكة، إذ حث الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله المجتمعين على ضرورة وضع المجتمع الدولي استراتيجيات شاملة ومتكاملة ومدعومة، معتبراً مكافحة الإرهاب مسؤولية دولية مشتركة تتطلب أعلى درجات التنسيق والتعاون بين أعضاء المجتمع الدولي. واعتبر أن إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في نيويورك تتويج لمقاصد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، ويتطلب جهداً جماعياً.
وفي العام الحالي استطاعت المملكة جمع عدد كبير من الخبراء والدبلوماسيين المهتمين بمكافحة الإرهاب في الرياض، من أجل تشجيع الشراكة وبناء القدرات والتعاون مع الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب، وكانت المملكة قد أبدت استعدادها دولياً لتبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب وإعادة التأهيل والمناصحة. وقال وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل في مؤتمر أممي لمكافحة الإرهاب- إن مواجهة الإرهاب لم تعد أمنية فقط بل تشمل نواحي أخرى من ضمنها الفكرية وذلك عبر إقامة الحوار ونشر الدراسات والبحوث والفكر الوسطي واستخدام التقنية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.
لقاء الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض
مناسبة دولية تجمع خادم الحرمين الشريفين عندما كان وليًا للعهد مع الرئيس بوتين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.