شهد العالم في الآونة الأخيرة تطورات متعددة في كافة الجوانب والأنشطة والمجالات ومن بينها حدوث تطورات متسارعة في النواحي الاقتصادية، كان لها أبلغ الأثر في حدوث تغيرات هيكلية وجذرية في العديد من المنشآت والمؤسسات الاقتصادية، دفعها في النهاية إلى مواجهة هذه التغيرات المستمرة عن طريق تطوير منظومتها وأدائها بوجه عام، ومن بين هذه التغيرات المتسارعة ازدياد صفقات اندماج الشركات. ويعرّف الاندماج بأنه: "عملية نظامية يتم بمقتضاها تلاحم أو توحد بين شركتين أو أكثر لتكوين شركة واحدة أكبر". ويفهم من هذا أن الاندماج يعني اتحاد مصالح بين شركتين أو أكثر لخلق كيان جديد، يترتب عليه زوال الشخصية الاعتبارية للشركة أو الشركات المندمجة وانطوائهم تحت كيان الشركة الدامجة، أو في بعض الأحيان إنشاء كيان مستقل للشركات المندمجة كشركة جديدة. وينبغي أن نلاحظ هنا أن اندماج إحدى الشركات في شركة أخرى يختلف تماماً عن تحول الشركة من كيان نظامي لآخر، كأن تتحول مثلاً شركة تضامن إلى شركة توصية بسيطة. وعلاوة على ذلك فلا يعد اندماجاً انضمام أحد المشاريع الفردية إلى شركة ما. كما يجب أن نفرق كذلك بين الاندماج والانفصال إذ إن الانفصال يكفي لحدوثه وجود شركة قائمة بمفردها حتى تتمكن من الانفصال، حيث تتجزأ إلى شركتين أو أكثر، أما الاندماج فيلزم لتحققه وجود شركتين على الأقل. وهناك عدة عوامل ودوافع مباشرة ساعدت على التوجه نحو الاندماج ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تخفيف تكاليف الإنتاج والخدمات، وزيادة القدرات المالية والكفاءة، واحتدام المنافسة التجارية في كافة أنحاء العالم خاصة بين الشركات العملاقة المتعددة الجنسية وانتشار العولمة. ومعلوم أن الهدف الرئيس عند الاندماج هو عادة لزيادة العائدات ولكن يتم اللجوء للاندماج في الكثير من الحالات للخروج من أزمات العجز والإفلاس التي قد تتعرض لها أية منشأة، إذ إن اندماج الشركات يعد من أهم الحلول المالية للشركات المتعثرة. وفي سوق المملكة نرى أن قطاع التأمين بحاجة ماسة لمزيد من اندماج شركات التأمين السعودية لأسباب ذكرنا جلها أعلاه حتى ينمو هذا القطاع الحيوي، وتبرز شركات تأمين سعودية تتمتع بالملاءة والقوة اللازمة لمنافسة الشركات المماثلة داخل وخارج المملكة. وقد ساعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2005م على زيادة ظاهرة الاندماج بتسارع مطرد، نتيجة لرغبة ما لا حصر له من الشركات العملاقة – التي تتسم بضخامة حجم رؤوس أموالها وضخامة أرباحها – في فرض نفسها على الأسواق الإقليمية والعالمية لمواجهة التحديات التي تواجه اقتصادنا الوطني بسبب احتدام المنافسة، ولن تتأتى تلك الغاية في ظل وجود الكيانات الصغيرة أو الضعيفة التي لا تقوى على الصمود أمام المنافسة الشديدة. وفي الغالب يتطلب الاندماج إجراءات تستغرق مدة زمنية ليست بالقصيرة نسبياً لأن هذا الإجراء يؤدي إلى المساس بمجموعة من المصالح المترابطة والمتشابكة، والتي تؤثر على المساهمين والدائنين والمدينين والمتعاقدين وغيرهم مع الشركات الدامجة وكذلك المندمجة، من دون إغفال أن هذه الإجراءات يجب أن تتم وفقاً لما قرره النظام، ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال وليس الحصر حصول موافقة مجلس المنافسة لتفادي خلق كيان جديد يهيمن على السوق أو تمكينه من احتكار سلعة أو أكثر على حساب المستهلك بشكل خاص وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام، وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة التاسعة من نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/25) وتاريخ 4/5/1425ه. وجدير بالذكر أنه في حالة اتجاه إرادة الشركاء نحو إدماج الشركة في شركة أخرى قائمة قبل انتهاء الأجل المحدد لهذه الشركة، فهذا يؤدي إلى انقضاء الشركة وزوال شخصيتها الاعتبارية، وعندها يتم الاندماج عن طريق إبرام عقد بين شركتين أو أكثر - يعرف بعقد الاندماج - يترتب عليه اتحاد ذمتها المالية بحيث يجتمع الشركاء في شركة واحدة. وسوف نكمل الحديث في المقال القادم إن شاء الله حول بعض الجوانب الأخرى المرتبطة باندماج الشركات كأنواع الاندماج وغيرها من الأمور الأخرى ذات الصلة.