في البدء، نعزي الأمة الإسلامية في متوفي حادث الحرم المكي، ونؤمن جميعنا بالقضاء والقدر، تقبلهم الله في الشهداء في دار كرامته وعفوه. ونرجو الشفاء للمصابين، وإنا لله وإنا إليه راجعون فليس لنا جميعا من الأمر شيء،. نحن نرى بحواسنا كيف يتبارى كثير من الناس على كافة مستوياتهم ويتسابقون لشدِّ الرحال تطوُّعاً وليس فريضة، للحج والعمرة والزيارة والسفر بأنواعه، ويتكرر منهم هذا الفعل أعواماً عديدة متتالية، ينفقون خلالها أموالاً كثيرة، في حين لا يدور بفكر أحدهم أن يتبنى مشروعاً للإسكان من نوع ما، لينقذ به بعض المواطنين من بعض المكاتب، والمساهمات العقارية، وملاك العقارات. وإليكم هذه الواقعة التي تدلُّ على التقوى والورع، وليت بعض حجاج التطوع يحذون حذوها.. خرج الإمام ابن المبارك ومعه جماعة إلى حج نافلة، فرأى في طريقه بنتاً صغيرة تأخذ طائراً ميتاً من مزبلة لتأكله، وعلم أنهم أيتام وفي فقر شديد.. فقال لوكيله: كم معك؟ قال: ألف دينار.. فقال: خذ منها 20 ديناراً تكفينا للرجوع إلى أهلنا، وتصدَّق بالباقي على الفقراء، فهذا «أفضل من حجنا هذا العام».. الله أكبر. وبعض الناس في حالة يُرثى لها وهم يحاولون جهدهم تدبير أمور معيشتهم، و «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»، وقد ألهبت أرواحهم وأثقلت كواهلهم سياط الإيجار وشرور ملاك العقار التي لا تعدُّ ولا تُحصى.. صحيح أننا جميعا نحبُّ تكرار العُمرة والحج وهذا كله بحثاً عن الأجر والثواب من الله وتقرُّباً له، ولكن أليست مشاريع الخدمة الاجتماعية هي مما يحبه الله ويعجِّل في رضاه عنا ونكسب ثواباً وأجراً عظيماً؟إذن لمَ لا ننفع مجتمعنا ونخدمه طلباً لرضا الله وثوابه وجزيل أجره؟.. كتبت وسأكتب وسيكتب في هذا الموضوع الكثيرون، غير أنه لا جدوى من الكتابة فقط؛ لأنه ليس ثمة استجابة ما لم يكن ثمة دافع من نوع ما يدفعهم إلى تحرِّي عمل الخير في كافة المجالات طلباً وطمعاً في حياة كريمة مرفَّهة في الحياة الآخرة ورضوان من الله أكبر. لا أرى أحداً ممن أنعم الله عليهم بالثراء يهتم بخدمة مجتمعه بمثال (مشروع سكن بأقساط ميسَّرة.. حديقة تنشأ بشكل جيد.. حمامات عامة نظيفة.. حملات حج بأسعار مخفضة.. بقالات للبيع بأسعار مناسبة للعاطلين وأشباههم وما أكثرهم في مجتمعنا.. مراكز لدورات حاسب ولغات وغيرها كثير، من رغب به سيبحث عنه، وهي مشاريع لتنمية وخدمة المجتمع ومدارس ومستشفيات. والمصارف غيرها كثير، بإمكان الباحث عنها أن يساهم في خير وتنمية مجتمعه بشكل أو بآخر ولكنهم عُميٌ عن الخير. ويقتصر دورهم- إن وُجد- على الصدقات البسيطة التي لا تتجاوز قوت اليوم الواحد أحياناً. كلنا ذلك الذي سمع وقرأ وصدق «أنفق ينفق الله عليك» و «الصدقة تطفئ غضب الرّب كما يطفئ الماء النار» وغير هذا من الأحاديث الكثير مما يحث على طلب رضا الله من خلال النفقة والصدقة والبذل وفِعل الخير في المجتمع بكل شكل من أشكال الخير وهو باب واسع فضفاض أغلبنا قرأه واستوعبه.. ولكن نريد من يفعل الخير واقعا مشهودا، لا كلاما فقط. قال تعالى «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» خاتمة سلاما يا مليكنا الحبيب الحكيم، وسلاما يا وطني الغالي، بكل ما فيك، فداك أرواحنا، وكل عام وكافة المسلمين بخير، وبحال أفضل مما هم عليه الآن.. ومع كل الأزمات إلا أن المسلمين- خاصة المؤمنين منهم على وجه الخصوص- بخير لا يعلمه ولا يدركه إلا من ذاق حلاوة الإيمان ولذته.