هناك شبه اتفاق بأن مصطلح المثقف في الواقع العربي، قد يتجاوز نصف قرن بقليل وأن الاشتغال حول هذا المصطلح، من قبل «المثقف العربي»، يكاد يكون فقيرا جدا، وليس هناك أي وجه مقارنة بين اشتغال المثقف الغربي حول هذا المصطلح واشتغال المثقف العربي. يقول الدكتور إدوارد سعيد في كتابه «صور المثقف»، حول تراكم الدراسات حول ظاهرة المثقف لدى الغرب «فما عليك إلا أن تضع أمام عينيك على نحو شبه فوري مكتبة كاملة من الدراسات عن المثقفين، مروعة جدا في مداها، متناهية التركيز في تفاصيلها. فثمة آلاف الدراسات التاريخية والاجتماعية المختلفة عن المثقفين، إضافة إلى تفسيرات لا تنتهي عن المثقفين والقومية، والسلطة، والتقاليد، وسيل لا ينقطع من الموضوعات الأخرى». وهنا يبرز سؤال، لماذا اشتغل المثقف الغربي حول ذاته، بهذا الحجم المهول من الدراسات، ولم يشتغل المثقف العربي حول ذاته المثقفة؟ أليس من الضروري كون المصطلح حديثا في الفضاء العربي، أن يشتغل عليه من قبل المثقف العربي، كونه مرتبطا بذاته، وكيفية أن يقدم نفسه لمجتمع جديد عليه مثله هذا المصطلح. أي بمعنى آخر هل المثقف العربي عاجز أن يقدم نفسه لمجتمعه؟ في اعتقادي أن هذه أول الاختبارات، إن لم تكن أعمقها التي سقط فيها المثقف العربي، لنكتشف بعد ذلك السقطات تتوالى، والأزمة المعرفية التي لازمت المثقف حتى هذه اللحظة. فحينما يفشل المثقف العربي في تعريف ذاته وتقديمها لمجتمعه، فهو في ظني يضع أولى العقبات، في علاقته بهذا المجتمع، ومن ثم كيفية معالجة قضايا مجتمعه والتحديات التي تواجهه. ومع هذا وجدنا المثقف العربي يتجاوز سؤال الهوية (أي هويته هو) في الاشتغال حول الذات المثقفة، ويتحدث عن دور المثقف..! يطرح الأستاذ محمد العلي، في مقال «نهاية المثقف» تساؤلا عن ما هي مهمة المثقف؟ حيث يقول «تعددت الإجابات، عن هذا السؤال حتى حد التناقض، فهو مصباح المجتمع في إجابة، وفي إجابة أخرى ما هو إلا بائع أوهام. غير أني أشارك كريم أبو حلاوة في أن مهمة المثقف هي (النقدية المعرفية التي ترى أن المثقف لا يغير الواقع، بل يغير الوعي بالواقع عبر إسهامه في إنتاج مفاهيم وأفكار جديدة ومن خلال إعادة النظر نقديا في المعارف والآراء الشائعة). ثم يعقب محمد العلي قائلا «إن تشومسكي- مثلا- لن يغير واقع السياسة الأمريكية ولكن كتاباته عن مجزرة صبرا وشاتيلا، وإدانته الموقف الأمريكي منها، ومن القضية الفلسطينية عموما، يغير وعي بعض الأمريكان، حول السياسية، وهذه هي المهمة النقدية للمثقف». لاحظوا أنه أخذ رأي مثقف عربي (كريم أبو حلاوة) الذي أتفق مع تعريفه لمهمة المثقف، وكان مثاله مثقفا أمريكيا (نعوم تشومسكي)، أي لم يستشهد بموقف لمثقف عربي، وهو دليل على أن المثقف العربي على أرض الواقع ليس له تأثير. ولهذا نجد أستاذنا محمد العلي يكتب في المجلة العربية، عدد 384 عن أسباب غياب ولادة المصطلح لدى المثقف العربي، وهو هنا كأنه يفند، تعريف أبو حلاوة لدور المثقف برغم اتفاقه معه، على الهوة الكبيرة بين المثقف العربي وإنتاج المفاهيم والأفكار. يقول «المصطلح وليد الفكر المتجدد، الفكر المتوالد إذا توالد الفكر توالدت المصطلحات، الفكر العربي حتى الآن فكر مستهلَك فكر مبرمج على الماضي، في حين أن المصطلحات الحديثة جميعها نابعة من الآن ومن تصور المستقبل، تولد المصطلحات عندما تتوالد المفاهيم والأفكار، الغرب كل يوم عنده مفاهيم جديدة لأن لديه أفكارا جديدة. نحن على سبيل المثال لم نولد نظرية للشعر الذي عشنا عليه من الزمن الجاهلي إلى الآن، حتى الآن الشعرية لم نصل إلى وضع نظرية لها، ما زلنا نأخذ نظريتها من الغرب، إذا فكرنا إلى الآن لا يولد المصطلح لا قول: إنه عقيم بالمطلق، أعني لا يولد إلا مصطلحات بسيطة وعادية بعضها مقتبس من الغرب» وحينما نعود لكلام ادوارد سعيد، وتعريف كريم أبو حلاوة، وتفنيد محمد العلي لتعريف المذكور عن دور المثقف، يتضح لنا جليا الهوة الكبيرة بين المثقف وهويته.