لم تتمكن الوظيفة الآمنة من منع سفر العتيبي من مواصلة البحث عن حلمه في كسب لقمة العيش عن طريق العمل التجاري مطلقاً، فمنذ عام 1986م إلى 1996م والحلم يراوده بين الحين والآخر، فكان ينخرط في العديد من المغامرات التجارية التي نجح بعضها وأخفق في الآخر منها، لكنه يؤكد على أن البداية لم تكن من هنا، بل كانت منذ الطفولة عندما كان يساعد والده في مركز التسويق الذي يملكه وهو على مقاعد الدراسة. ويتحدث عن المناسبة التي وُلد فيها الشغف، فيقول: "عندما توفي والدي في ثمانينيات القرن الماضي، فكرت في العودة إلى إدارة مركز التسويق، ثم قمت بإنشاء مؤسسة جديدة لتوريد الأجهزة والمعدات الصناعية، والتي تم تسجيلها لدى أرامكو السعودية والعديد من الشركات الكبرى بالمملكة كمورد معتمد. وقد حصلت على عقود توريد من أرامكو السعودية والشركة السعودية للكهرباء وسابك، حتى فتحت فرعين للمؤسسة عام 1994م، فرع لمواد البناء (كهرباء وسباكة وعدد وأدوات) وفرع آخر للأصباغ." ويؤكد سفر العتيبي أن الإنسان المغامر يمرّ بإخفاقات كثيرة حتى يعرف قدراته ويتعلم من أخطائه، كما يمرّ بنجاحات متعددة يحقق من خلالها ربحاً مالياً ويصنع اسماً في السوق المحلية. فبسبب العجز عن الإيفاء بالالتزامات المالية قرر سفر إغلاق فرع التجهيزات الصناعية، كما افتتح شركتين، واحدة في مجال استيراد وبيع الفاكهة، وأخرى في مجال التعاملات الإلكترونية. ويقول: "كنت أقوم بإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية لعدد كثير من المشاريع، إلى أن تقدمت إلى مركز أرامكو السعودية لريادة الاعمال في عام 2009م ومن هنا تفرغت تمامًا لمشروعي، وبدأت ببناء مصنع ألواح الكلادينج التي تستخدم لتكسية واجهات المباني والديكورات. وقد ساندني الأهل بكل أنواع المساندة وخصوصًا الوالدة - رحمها الله - وزوجتي التي تحملتني خلال مسيرة عملي والتي تتطلب مني السفر الدائم والغياب لفترات طويلة." مواجهة التحديات مثلما كان شغف سفر عالياً، كان طموح هدى البوحمد يلامس سقف الإصرار والمضي قدماً، فهي بصفتها المعلمة والمربية تؤكد على أن التعليم أساس بناء الأمم، ويجب توجيه الشباب للاهتمام بالمشاريع التعليمية. وهي إحدى المستفيدات من برنامج التمويل في مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال، حيث تقول بخصوص بداياتها: "حياتي كانت رحلة من التحديات، وقفت على مفترق طرق عدة مرات، فكان أمامي إما أن أختار النجاح والاستمرار والوصول للهدف، أو الاستسلام للفشل، وهذا ما كان مرفوضاً عندي تماماً، فتحقيق التوازن بين مهامي كأم وزوجة وطموحي بأن أكمل دراستي كان أحد هذه التحديات، لكن حصولي على الشهادة الجامعية لم يكن سوى المفتاح لانطلاقة أحلام وطموحات جديدة." وتضيف: "لقد لفت انتباهي عدم تحقق الأهداف المرجوة من بعض المؤسسات التعليمية وانحدار المستوى في بعضها الآخر، ونظراً إلى أن تخصصي يتقاطع مع تعليم الأطفال ووظيفتي معلمة سابقة، فقد قررت افتتاح مشروع "مدارس سمو الفيصل" في الخفجي، التي تعد منطقة نائية تفتقر للتنوع في المدارس والخدمات، وكان هذا دافعاً إضافياً لي أن أسعى بكل الوسائل لتحقيق حلمي وهو إنشاء مدرسة رياض أطفال تسهم في بناء شخصية الطفل بصورة واعدة ومستقلة، وتعمل على توفير بيئة آمنة للطفل، ولا أنسى يوم أن وجهت الأستاذة نورة الفايز بشكري لأنني استطعت تحويل مبنى المدرسة المستأجر إلى مبنى نموذجي". توطين صناعة الصمامات أما عبدالله البوعينين فبمجرد أن شاهد قصص النجاح على موقع مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال، قرّر أن يكون أحدهم! "عندما ينظر المجتمع إلى بعض الأحلام على أنها ضربٌ من الجنون، لا تدع ذلك يصيبك بالإحباط والسلبية"، هذا ما أفادنا به عبدالله البوعينين، خرّيج معهد الجبيل التقني، قسم آلات دقيقة وتحكم، حيث كان يهوى فك وتركيب الصمامات، وإعادة ضبط أجهزة القياس. انضم عبدالله لشركة سابك في 2006م، ولفتت نظره آنذاك الفحوصات المشددة والاختبارات التي تجرى على الصمامات، كما لاحظ أن مدينة الجبيل الصناعية يوجد بها 40 شركة متعددة ما بين بتروكيمياوية أساسية وثانوية ومصافٍ، يقابلها 4 ورش فقط متخصصة في إعادة تأهيل الصمامات، مما يجعل تلك الشركات تضطر للسفر بصماماتها مسافة 100 كيلو متر إلى مدينة الدمام لوجود عدد من الورش، أو تضطر إلى تأجيل الصيانة الدورية المجدولة لمصنع ما، إلى حين فراغ إحدى الورش القريبة." ومن هنا عقد عبدالله العزم على إنشاء ورشة متخصصة بصيانة الصمامات وإعادة تأهيلها لأن الصمام هو الشريان الرئيس، على حد قوله، في جودة المنتج وسلاسة العمل في أي مصنع، خاصة وأن عبدالله يملك الخبرات لذلك بعد أن تلقى العديد من الدورات الفنية والدراسة على تطوير خبراته في هذا المجال، مما ساعده على معرفة التفاصيل المهمة ومكنه من تقديم خدمات ممتازة بأيادٍ سعودية فنية متخصصة من خريجي المعاهد والكليات التقنية. ويقول: "وبذلك تحولت من موظف في شركة إلى موفّر فرص عمل وصاحب مشروع، إذ إن حلمي هو توطين صناعة الصمامات الصناعية في المملكة." التدريب والمتابعة يعود الحديث إلى سفر العتيبي حيث يقول عن تجربته مع مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال: "لقد تعثرت بداية الإنتاج المقررة بسبب تعقيدات الإجراءات في بعض الجهات الحكومية، الأمر الذي تسبب لي في خسائر مالية كبيرة، لكن الإجراءات في مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال ميسرة ومنطقية، حيث يعمل المركز على مصلحة رائد الأعمال للتأكد من مدى جدية مشروعه، وحجم احتياج السوق له، علاوة على دراسة جدوى للمنافع والخسائر المتوقعة." من جانبه، يؤكد عبدالله البو عينين على أن التحاقه بمركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال من أجمل التجارب التى مرّ بها وأمتعها، وذلك بدءاً من سهولة التقديم في الموقع الإلكتروني للمركز وتفهمهم العميق للفكرة، إلى اجتماعات العصف الذهني مع فريق متخصص يضع رائد الأعمال أمام تحدٍ مختلف مع ذاته فيحرص على تقديم أفضل ما يستطيع. وبسؤالنا عن الإجراءات وسرعتها، يقول عبدالله مفصّلا: "عندما طُلبت للمقابلة أتيت وأنا أحمل في رأسي فكرة جاهزة كوّنتها من خلال ما مررتُ به سابقاً من قِبل الصناديق الداعمة لرواد الأعمال، فسألوني عن طبيعة مشروعي فأجبت: صيانة الصمامات الصناعية، فجاءني رد من أحدهم أثلج صدري لأنه ينم عن فهم عميق للمجال، فعلمتُ أني أتكلم مع لجنة متخصصة مما جعلني أعرض فكرتي بتفصيل وأريحية أكثر، وكانت الأصداء ممتازة، ثم سارعوا بتوجيهي إلى الخطوات التالية المطلوب مني القيام بها. مجهودات عظيمة من فريق المركز العاشق للنجاح من خلال التعديلات التي قاموا بإضافتها على دراسة الجدوى الخاصة بي، فهم يعملون بشكل احترافي، ففي الوقت الذي كنت أجهز فيه الدراسة والأوراق المطلوبة، كنت أجدهم قد عقدوا الاجتماعات وزودوني بالنتائج والمعلومات التي كانت تنقصني." نظرة إلى مستقبل المركز يشجع مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال الروّاد ويساعدهم في إنشاء أو توسيع مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة. ويقدم المركز لهذا الغرض حزمة من البرامج التطويرية، من ضمنها تقديم قروض بدون ضمانات أو بمفهوم المشاركة برأس المال الجريء، إضافة إلى برامج إرشادية من شأنها تطوير ورعاية الرواد ومشاريعهم، حتى بعد قيام المشروع. وحول مشاريع وبرامج المركز، أوضح رئيس قسم الاتصال والتعاون في المركز، جمال العقاد أنه تم إنشاء حاضنة أعمال "مختبر المشاريع الجديدة" لتوفير البيئة المناسبة لرواد الأعمال المبتدئين الشغوفين بالابتكار لتحقيق النجاح المتأمل في مشاريعهم. وقال: "يقدم المركز خدماته من خلال ثلاثة برامج، وهي برنامج مساعدة طلاب الجامعات في المرحلة التطبيقية في إنشاء أعمالهم الريادية، وبذلك يوفرون الوظائف من خلال منشآتهم. وبرنامج التمويل الذي يتميز بالمساندة القوية عبر مراحل التأهيل ما قبل الإقراض، ثم الإقراض، فالمتابعة والإرشاد لما بعد الإقراض. أما برنامج المشاركة في رأس المال الجريء، فهو عبارة عن برنامج تطوير اقتصادي يقدم شراكة في حصص الملكية في المشاريع الواعدة." وأشار العقاد إلى أنه إضافة الى التدريب النوعي خاصة في مجال تطوير خطط الأعمال، يهتم المركز بدعم رواد الأعمال بالمرشدين والمستشارين الأكفاء في مجالات مشاريعهم خاصة الصناعية والتقنية المتقدمة والطبية والتعليمية النوعية، هذا إضافة للمشاريع في مجالات الطاقة واستخداماتها. لذلك، والحديث للعقاد، "نتواصل دوماً مع الجهات ذات الاختصاص سواءً داخل أرامكو السعودية أو الجامعات أو الجهات التي تربطنا معهم مذكرات تعاون مشترك من أجل توفير المرشدين المناسبين لرواد المركز." التمكين للأعمال الجديدة وقد واصلت شركة مركز أرامكو لريادة الأعمال المحدودة تركيزها على أن توفر لرواد ورائدات الأعمال السعوديين الجدد ما تحتاجه من الأفكار النوعية من موارد وخبرات تضمن نجاحها. وقامت الشركة خلال عام 2014 بفرز 719 طلبا مقدما من رواد ورائدات أعمال جدد. وأجرت 230 مقابلة مع أصحاب أهم هذه المقترحات. واعتمدت الشركة ثمانية عشر قرضًا وأربعة استثمارات في ملكية المشاريع الجريئة، وقدمت الشركة منذ إنشائها 38 قرضًا و14 استثمارًا في ملكية مشاريع رأسمال جريء، كما تم تدريب وتوجيه أكثر من 1200 شاب وشابة في مجال تطوير الأعمال الرائدة. مجموعة من أعضاء فريق مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال خلال إحدى ورش العمل وسعت أرامكو السعودية من اعتمادها على قطاع التوريد المحلي في توفير التجهيزات والمعدات لمعاملها الصناعية في إطار دعم الاقتصاد ورواد الأعمال