الحياة مليئة بالمحن والابتلاء، ولذا من فوائدها تكفير الذنوب ومحو السيئات، ورفع الدرجة والمنزلة في الآخرة، الشعور بالتفريط في حق الله واتهام النفس ولومها، وفتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله، وتقوية صلة العبد بربه، وقوة الإيمان بقضاء الله وقدره، وتذكر المآل وإبصار الدنيا على حقيقتها. والناس حين نزول البلاء ثلاثة أقسام: الأول: محروم من الخير يقابل البلاء بالتسخط وسوء الظن بالله واتهام القدر. الثاني: موفق يقابل البلاء بالصبر وحسن الظن بالله. الثالث: راض يقابل البلاء بالرضا والشكر وهو أمر زائد على الصبر. والمؤمن كل أمره خير فهو في نعمة وعافية في جميع أحواله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له». رواه مسلم. واقتضت حكمة الله اختصاص المؤمن غالباً بنزول البلاء تعجيلاً لعقوبته في الدنيا أو رفعاً لمنزلته، أما الكافر والمنافق فيعافى ويصرف عنه البلاء. وتؤخر عقوبته في الآخرة. والبلاء له صور كثيرة: بلاء في الأهل وفي المال وفي الولد، وفي الدين، وأعظمها ما يبتلى به العبد في دينه. والواجب على العبد حين وقوع البلاء عدة أمور: (1) أن يتيقن أن هذا من عند الله فيسلم الأمر له. (2) أن يلتزم الشرع ولا يخالف أمر الله فلا يتسخط ولا يسب الدهر. (3) أن يتعاطى الأسباب النافعة لدفع البلاء. (4) أن يستغفر الله ويتوب إليه مما أحدث من الذنوب. من المعاني واللطائف التي اذا تأملها العبد هان عليه البلاء وصبر. * أن يعلم أن هذا البلاء مكتوب عليه لا محيد عن وقوعه واللائق به أن يتكيف مع هذا الظرف ويتعامل بما يتناسب معه. * أن يعلم أن كثيراً من الخلق مبتلى بنوع من البلاء كل بحسبه، ومن نظر في مصيبة غيره هانت عليه مصيبته. * أن يذكر مصاب الأمة الإسلامية العظيم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي انقطع به الوحي وعمت به الفتنة وتفرق بها الأصحاب "كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله". * أن يعلم ما أعد الله لمن صبر في البلاء أول وهلة من الثواب العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الصبر عند المصيبة الأولى". * أنه ربما ابتلاه الله بهذه المصيبة دفعاً لشر وبلاء أعظم مما ابتلاه به، فاختار الله له المصيبة الصغرى وهذا معنى لطيف. * أنه فتح له بابا عظيما من أبواب العبادة من الصبر والرجاء، وانتظار الفرج فكل ذلك عبادة. * أنه ربما يكون مقصراً وليس له كبير عمل فأراد الله أن يرفع منزلته ويكون هذا العمل من أرجى أعماله في دخول الجنة. * قد يكون غافلاً معرضاً عن ذكر الله مفرطاً في جنب الله مغتراً بزخرف الدنيا، فأراد الله قصره عن ذلك وإيقاظه من غفلته ورجوعه إلى الرشد. فإذا استشعر العبد هذه المعاني واللطائف انقلب البلاء في حقه إلى نعمة وفتح له باب المناجاة ولذة العبادة، وقوة الاتصال بربه والرجاء وحسن الظن بالله وغير ذلك من أعمال القلوب ومقامات العبادة ما تعجز العبارة عن وصفه. ومن الأمور التي تخفف البلاء على المبتلى وتسكن الحزن وترفع الهم وتربط على القلب: الدعاء، والصلاة، والصدقة، وتلاوة القرآن.