في مركب الحياة خليط من الأحزان والأفراح، من النادر جدا أن تجتمع في لحظة واحدة، وفي مشهد واحد، تتوه فيه المشاعر وتتبعثر عبره الأحاسيس وتتشتت من خلاله المفردات. تماما كما هي كلماتي وأحرفي هذا الصباح وهي تتهادى على غير العادة خجلة وجلة في مشهد جعلني استرجع ذكريات مريرة مع الفقد واليتم الذي غرس خنجره في أضلعي منذ سن باكرة. ترجل أستاذي ومعلمي وقدوتي «محمد البكر» عن كرسيه بعد مشوار حافل بالعطاء والتضحيات والإنجازات، مخلفا وراءه إرثا عظيما يصعب حصره أو حتى محاولة سبر أغواره. أبو أريج كان لي تحديدا كل شيء، وهو صاحب الفضل بعد الله في كل شيء، سأظل مدينا له ما حييت، لذلك أجد أحرفي خجلى تماما وهي تحاول أن ترد ولو نزرا يسيرا مما قدمه لنا جميعا طوال السنوات الطويلة الماضية. عبارات الشكر الرنانة وكلمات الثناء المعتادة لن تجدي نفعا في هذه الحالة، فالشكر كله يصغر أمام هذه القامة، والوفاء يتقزم أمام رجل الوفاء وأستاذه، ومع ذلك استبيحه العذر لأقول له أمام الملأ: شكرا أبا أريج. شكرا بحجم السماء لمن فتح لنا قلبه ومد لنا يده، شكرا لمن علمنا فن التسامح والابتسامة الصادقة من القلب، شكرا لمن زرع فينا الأمل وحثنا على العمل، شكرا لمن كان لنا العزوة ومصدر الاطمئنان في أصعب الأوقات وأكثرها تعقيدا. رحيل وتكريم، غياب ووفاء، جعل المشاعر مختلطة ومتناقضة، ولكنها سنة الحياة التي لا نملك إلا أن نتعامل معها وفق الواقع، والواقع يقول إن من يملك إرثا وله تاريخ ناصع البياض من الصعب أن يغيب، وحتى إن غاب فحتما سيخرج من العين ليستقر في سويداء القلب. قبل الطباعة.. الوفاء لا يأتي إلا من أهل الوفاء، فشكرا من الاعماق للزميلين أحمد العجلان وطلال الغامدي، واللذين كانا خلف مبادرة تكريم الأستاذ الكبير محمد البكر في ليلة وفاء خالصة سيخلدها التاريخ ويكتب فصولها بمداد من ذهب. وعلى دروب الخير ألتقيكم بحول الله في الأسبوع القادم ولكم تحياتي.