المناظر التي يبدو فيها السوريون الهاربون والغرقى والذين يتسولون اللجوء في أوروبا، مؤلمة، وتصور حجم المأساة التي نسجها نظام الأسد وحكام طهران الذين يدّعون الإسلام ويدّعون صداقتهم للشعب السوري، بينما هم يهندسون النكبة التاريخية التي حلت بالشعب السوري، ويساومون السوريين على كرامتهم، إما الموت والنفي والرجم بالبراميل المتفجرة أو الخضوع لنظام الأسد وطهران ومليشيات حزب الله والقوات الإيرانية التي تحتل سوريا تحت عناوين حكم بشار. وفي الحقيقة، إن المأساة التي يعانيها السوريون هي وصمة عار، ليس في جبين حكام طهران الذين هندسوها وأخرجوها وأشعلوا أوارها، بل هي وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، الذي يشاهد السوريين يتكبّدون العناء والعذاب، مثلما يعانون التعذيب والقهر والموت والتغييب في سجون الأسد، ولا يهب لنجدتهم، خاصة القوى الكبرى التي تدّعي أنها حامية حقوق الإنسان في العالم، لكنها باعت السوريين وحقوقهم، في صفقاتها المشبوهة مع إيران. وكان واضحاً أن السوريين سوف يكونون جزءا من الصفقة الإيرانيةالأمريكية، وستراوغ واشنطن في تعهّداتها السابقة بمساعدة السوريين؛ لأن النظام الإيراني كان حريصاً حتى الاستماتة للاحتفاظ بسوريا في قبضته، فإن خسر سوريا، فإن نظام طهران يقامر بمواجهة الشعب الإيراني، وهو قد أفقر الإيرانيين وأغدق الأموال على حزب الله والمليشيات التي جلبها من باكستان وأفغانستان ومن أماكن أخرى في العالم، لمواجهة الشعب السوري والجيش السوري الحر، للاحتفاظ بسوريا كمركز عمليات للتآمر ضد العرب. وإن خسر سوريا، وهي أحد أكبر مشروعاته المكلفة مالياً وفكرياً، فإن نظام طهران يقامر بخسارة سمعته في إيران، ثم السقوط المدوّي. لهذا كان نظام طهران يساوم الولاياتالمتحدة على سوريا وعلى بقاء نظام الأسد؛ لأن الأسد هو رمز الولاء لطهران، وباسمه يجري استعمار إيراني بشع وقاس لسوريا. وبسبب هذا الاستعمار تحوّل نظام الأسد إلى مجرد عنصر صغير في الشبكة الإيرانية، فيما قوات حزاب الله ومليشيات طهران تصادر السيادة في سوريا، وهي تقرر ما الذي يفعله بشار الأسد وما يتوجّب عليه قوله. وتصريح بشار الأسد المخزي المذل الذي قال فيه: إن الأرض السورية للذي يدافع عنها، ليس إلا كلمات إيرانية وُضعت في فم الأسد الذي أصبح علناً جزءاً من برنامج التوطين الإيراني للأجانب في سوريا، وأن الأفغاني والباكستاني الذي قدم أمس إلى سوريا يملك الحق في التوطين في سوريا أكثر مما يملكه الوطنيون السوريون. وبرنامج التوطين الإيراني في سوريا والتغيير الديمغرافي يقتضي ترحيل السوريين ونفيهم ليحتل منازلهم الأفغان والباكستانيونوالإيرانيون والعراقيون الذين ينتظمون في مليشيات طهران التي تعيث في سوريا فساداً وقتلاً وتدميراً. وبذلك، فإن طهران تستورد النموذج الصهيوني في فلسطين لتطبّقه في سوريا. وعدد السوريين الذين نفتهم إيران من أراضيهم ومنازلهم، وسلمتها لمليشياتها في ثلاث سنوات، يفوق عدد الفلسطينيين الذين نفتهم إسرائيل واغتصبت منازلهم وأراضيهم في 60 عاماً وسلمتها لمستوطنين قدموا من أنحاء العالم. وذلك يعني بوضوح أن الاحتلال الإيرانيلسوريا سوف يكون أبشع وأكثر قسوة من الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وكلا الاحتلالين يحمل مشروعاً ضد العروبة والسلام.