لم يشهد تاريخ العراق جدلاً بقدر ما أثاره غُبار نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، ونائب الرئيس المخلوع بقرار رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، منذ أيام، بعزل نواب رئيسي الجمهورية والوزراء. نوري المالكي قيادي حزب الدعوة الموالي لإيران الذي لاحقته التهم، منذ صعود نجمه عام 2006، عندما تسلم رئاسة الوزراء، أثبتت الأيام بالوقائع والتصرفات أنه رجل طائفي بامتياز، فهو الذي سبق له أن فضّل الطائفة على الوطن، عندما قال ذات يوم: "أولاً أنا شيعي وثانياً أنا عراقي، وثالثاً أنا عربي ورابعاً أنا عضو في حزب الدعوة". المالكي (65 عاماً)، واسمه بالكامل، نوري كامل محمد حسن المالكي، رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق لثماني سنين (2006 - 2014م). ونائب رئيس الجمهورية السابق (9 سبتمبر 2014 حتى 11 اغسطس 2015)، حصل على البكالوريوس من كلية أصول الدين في بغداد، ثم الماجستير في اللغة العربية، من جامعة صلاح الدين في أربيل. وفرّ إلى سوريا بعد قرار الرئيس الراحل صدام حسين عام 1980، بحظر نشاط حزب الدعوة الذي أصبح أعضاؤه مهددين بالإعدام، وكان قبلها في 1979 انتقل إلى إيران حتى 1987، إلا أنه عاد لسوريا مرة أخرى، وبقي فيها حتى الغزو الأمريكي للعراق. وتاليا نص اللقاء: بعد سقوط نظام صدام حسين في 9 أبريل 2003 عاد إلى العراق. واختير كعضو مناوب في مجلس الحكم العراقي الذي أسس من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة بول بريمر، كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني المؤقت، وبعدها بثلاث سنوات (مايو 2006)، انتخب لتشكيل أول حكومة عراقية دائمة منتخبة، بالتزامن مع تدهور الوضع الأمني في العراق، ليطلق عام 2007 خطة لفرض القانون، وقد وقع خلال ولايته الأولى على تنفيذ حكم إعدام الرئيس الراحل صدام حسين، صبيحة يوم عيد الأضحى، عام 2008، ليثير نقمة الكثيرين عليه. وفي انتخابات 2010، حلت قائمته "دولة القانون" في المرتبة الثانية بعد قائمة "العراقية" التي يتزعمها إياد علاوي، وبعد 8 أشهر من الجمود السياسي نتيجة تباين مواقف الأحزاب السياسية، استطاع المالكي الفوز بمنصب رئيس الوزراء لفترة رئاسية جديدة بعد التوافق مع معظم الكتل البرلمانية. وفي أغسطس 2014 كلف التحالف الوطني الشيعي، حيدر العبادي الذي ينتمي إلى ائتلاف "دولة القانون" الذي يقوده المالكي، برئاسة الوزراء، وهو ما عارضه المالكي في بداية الأمر واعتبره مؤامرة، وتشبثاً بمنصبه، ودعا إلى تحكيم المحكمة الاتحادية، معتبرا تكليف العبادي خرقا للدستور. ليواجه بعدها ضغطا داخليا وخارجيا هائلا للتنحي.. وهو ما أعلنه لاحقاً، مؤكداً دعمه للعبادي، ليُعين ضمن صفقة توافقية، كأحد نواب رئيس الجمهورية الثلاثة، قبل أن يطيح به حيدر العبادي قبل أيام. رجل إيران اشتهر عن المالكي، أنه رجل إيران الأول في العراق، وأنه الذي ينفذ أجندتها الطائفية في المنطقة بشكل كامل، حتى لو تعارضت مع مصلحة بلاده الأم، لذا كانت زياراته المتتالية، ودعم مشاريعها بشكل غير مباشر، إشارة واضحة على ذلك، إلى جانب تورطه في الفساد والمسؤولية المباشرة عن وقوع العديد من المناطق العراقية بيد العناصر التكفيرية، الأمر الذي وسع دائرة المطالبات الداخلية، بتقديمه إلى المحاكم الدولية بسبب "جرائم حرب" و"انتهاكات لحقوق الإنسان"، و"مسؤوليته عن سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل وأجزاء واسعة من البلاد". المالكي، مثلما كان طائفياً بامتياز، يعلي الطائفة على الوطن، فإنه أيضاً لم يُخف تعلقه بإيران على حساب بلده، لذا كان يرى أن "الخميني أنقذ الإسلام من قيود الأسر وبعث روحًا جديدة فيه".. هكذا قال في أحد أحاديثه في مايو 1998. رجل الطائفية والصدام "المالكي رجل الطائفية الذي دفع البلاد إلى هاوية الصدام المذهبي".. هكذا وصف تقرير خطير نشره مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، في موقعه على الإنترنت في 28 يوليو الماضي. وأضاف إنه أيّاً كانت الظروف السياسية في العراق، فإن المالكي اسهم بشكل كبير في تصدع النسيج الداخلي، وأوجد النسخة الأحدث والأكثر شراسة لميليشيات طائفية لا تختلف في نهجها ووحشيتها عن "داعش" وجرائمه. فالمنطق القائم على التنافس حول «احقية من يحكم»، تأسس على إلغاء الآخر، وتبرير ما يرتكب من أعمال وحشية ضده، معبرا عن انتقائية تؤمن ب«نظرية المؤامرة» التي تهدف إلى إسقاط التجربة الشيعية في العراق بقيادة أطراف سنية. وبالتالي وفق التقرير فإنه ينظر إلى استهداف الشيعة بانه ثابت يمارسه الآخر، لتكون الحدود بينهما على درجة من الصلابة، ما يعني البقاء في دائرة العداء والمواجهة، والابقاء على هذا التجاذب يشي بإعادة إنتاج الصراع، وهو ما يعززه المالكي ويروج له. حيث إن خيار التمسك بالابوية الخلاصية لإيران، والذي ابداه المالكي يؤكد على محدودية مساحة التفاعل مع الآخر، والتسليم بخوض الصراع إلى منتهاه وان كان صعبا ومكلفا، دافعا نحو الالتصاق بالجماعة ايا كانت طائفية او اثنية دون المجتمع الواحد الجامع. ويصف التقرير زيارة المالكي السرية الأخيرة بأنها للتأكيد على سعيه لجعل الاقليم تحت وصاية مباشرة من طهران، بما يسمح لها بتعطل الحكم في دولة، والاستيلاء عليها بالعنف والترهيب، والسيطرة عليها باسم الحفاظ على الأمن. وتكرارا لتجربة ميليشيات "حزب الله" اللبناني. وهو الذي منح سطوة خاصة لدولة الولي الفقيه في العراق، منها دعمه لها في مواجهة ثقل العقوبات على البرنامج النووي، وإعلاء شأن ميليشيات مسلحة لا تخفي ولاءها إيران، واسناد نظام بشار الأسد والسماح لإرساليات الأسلحة والتجهيزات والإمداد البشري والمالي لكي تمر عبر العراق، فضلا عن تشجيع دخول الميليشيات الطائفية إلى الأراضي السورية للمشاركة في القتال إلى جانب قوات الأسد. توصية خامنئي الأخطر، هو ما كشفه المستشار العسكري للمرشد الإيراني، اللواء يحيى رحيم صفوي، من أن المالكي "تنحى بتوصية من خامنئي وذلك للحفاظ على المصالح الشيعية" على حد قوله، الأمر الذي يعبر عن مدى التزامه بولاية الفقيه، وما قدمه من خدمات في توسيع النفوذ الإيراني في العراق. وفي ذات السياق، اكد المالكي في تأبين مقتل مؤسس سرايا الخراساني، الجنرال الإيراني حميد تقوي، بالقول "إن معركتنا واحدة وليست متفرقة ومحورها العراقوإيرانوسورياوالبحرين ولبنان، لقد وحدونا وإن اختلفنا في بعض الأمور".وبخط متوازٍ، فإن المالكي في زيارته أبدى تعهدا بدعم الاستراتيجية الايرانية العليا لإيران، ومؤكدا على استمرار نهجه المناوئ لمملكة البحرين في تصديها للمؤامرة الإيرانية وأعمال الفتنة الطائفية، ملتزما بالتدخل الفج في الشؤون البحرينية من قبل مكونات "التحالف الوطني"، وتقديم العون والاسناد للمعارضة البحرينية، وتجنيد الفضائيات الطائفية العراقية لحملة إسناد متواصلة لدعم الطائفة هناك. عمالة بالخارج ووفق الباحث فلاح العراقي، فإنه خلال 8 سنوات من الإقامة في إيران، كان المالكي يتولى مسؤولية الذراع العسكرية لحزب الدعوة. وقيادة قرابة 1000 من عناصر أفواجه المتمركزة في معسكر «غيور» الرئيسي بأحد مقرات القوة البرية لفيلق الحرس الثوري في مدينة الأهواز، وكان يُطلق عليهم اسم "جنود الإمام الخميني" حيث نفذت هذه العناصر عمليات ضد وطنها بالداخل العراقي دون خجل.وعند توجه المالكي إلى سوريا (1987) تولى المسؤولية عن تنظيمات حزب الدعوة هناك، ولأنه على علاقات وثيقة جدًا مع المخابرات الإيرانية، واصل اتصالاته بقوّة "فيلق القدس" التابعة للحرس الثوري، والتقى مرات عديدة مسؤوليه في سوريا، منهم مثلاً رضا سيف الله قائد مقر «نصر» آنذاك وممثل طهران في شؤون العراق، وغيره كثر. ليس هذا فقط، بل إن منتقديه اتهموه بالاعتياش في سوريا على تزوير وثائق السفر الخاصة بالبعثيين، مقابل مبالغ مالية، رغم ادعائه كرهه لهم. ورغم أنه كان يعمل في فرن للمعجنات "ظاهرياً" إلا أنه كان يتكسب من أجره في أي عملية إرهابية يشارك بها، ومن أهمها تفجير السفارة العراقية في بيروت والتي راح ضحيتها العديد من الابرياء منهم العراقية بلقيس، زوجة الشاعر الراحل نزار قباني. المالكي و"داعش" ووفق الباحث العراقي أيضاً، فإنه "عند اندلاع التظاهرات في سوريا وتدهور موقف الرئيس السوري بشار الاسد كان للمالكي بمعية الاستخبارات الامريكية والموساد الصهيوني ومسعود البارزاني الدور البارز في خلق ما يسمى ب"داعش" وذلك في لقاء سري، عقدته تلك الاطراف في واشنطن -كل على حدة- وتعهد المالكي بتسليم داعش محافظات صلاح الدين ونينوى والانبار من خلال مسرحية سخيفة أعد لها جيدا وساهم معه كل من القادة: مهدي الغراوي وعلى غيدان وعبود كنبر وابو بكر زيباري وغيرهم من الذين تبوأوا مناصب عليا في القوات المسلحة". ..وتواطؤ بالداخل ظل تلميذاً مخلصاً لإيران، حتى بعد عودته للعراق، واعتبر من المخططين الرئيسيين لقانون مكافحة الإرهاب الموجه أساساً لقمع معارضي إيران، بالعراق، عبر اختياره 2003 نائباً لرئيس هيئة اجتثاث البعث، وعام 2005 عندما اختير رئيساً للجنة الأمن القومي بالبرلمان الانتقالي في عهد حكومة إبراهيم الجعفري. إضافة إلى ذلك كان المالكي يتولى في حزب الدعوة مسؤولية قسم الأمن وإدارة النشاطات الأمنية والإشراف على العمليات الثأرية الإرهابية، عبر ما تسمى "مجموعة الثأر" التي استهدفت معارض إيران، وكذلك أهل السنة. عقب تسلمه رئاسة الحكومة، دأب المالكي على عقد لقاءات مع المندوب السامي الإيراني وقتها، كاظمي قمي، أحد قادة "قوّة القدس" ليتقرّب أكثر للنظام الإيراني، وذهب بعيداً ليلتقي أيضاً برجال المخابرات. ففي إحدى زياراته لإيران، سافر يوم 13 سبتمبر 2006 إلى مدينة مشهد، ليقابل مسؤولي جمعية "هابيليان" إحدى واجهات المخابرات، ويديرها أحد أهم العناصر الاستخبارية، ويدعى محمد جواد هاشمي نجاد، ووعدهم بالتعاون لقمع "مجاهدي خلق" في العراق فضلا عن تسهيل مهمتهم في تفجير سامراء بغطاء من رئيس الوزراء وقتها، إبراهيم الجعفري. اعترافات واتهامات ووفق ما قاله في يوليو الماضي النائب في البرلمان عن حزب "الاتحاد الإسلامي الكردستاني"، عادل نوري، العضو أيضاً في اللجنة البرلمانية للتحقيق في أسباب سقوط الموصل بيد "داعش"، فإن قائد القوات البرية السابق، الفريق علي غيدان، أدلى باعترافات تفيد بمسؤولية المالكي عن سقوط الموصل بيد مسلحي التنظيم. وأضاف إن غيدان أفاد أن القادة العسكريين تلقوا أوامر من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حينها نوري المالكي، بالانسحاب من الموصل خلال هجوم تنظيم داعش على المدينة في يونيو 2014، الأمر الذي أدى لفرض التنظيم سيطرته الكاملة عليها.ويحمل كثيرون تداعيات ما تمر به محافظات عراقية مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وبغداد، من عدم استقرار أمني، ومواجهات مع التنظيمات المليشيات المسلحة، للمالكي؛ جراء سياساته "الإقصائية والتهميشية"، و"مسؤوليته في الانهيار العسكري، وتمدد تنظيم داعش، وفرض سيطرته على مواقع عديدة على حساب الجيش الحكومي"، كما تتهم حكومته بقيامها باعتقالات عشوائية لمدنيين دون تقديم مذكرات اعتقال قضائية، وكذلك تعذيب معتقلين ثبتت براءتهم فيما بعد. عشائر نينوى هي الأخرى دخلت على الخط، وحملت المالكي مسؤولية السقوط، وقال القيادي الشيخ وضاح الصديد، في تصريح نقلته وكالات الأنباء: إن "المالكي تعمد التهاون بالتصدي للخروقات الأمنية، كما أنه ارتكب انتهاكات بحق السكان". ودعا لتقديمه للعدالة، مؤكداً أن "استقرار العراق مرهون بمحاكمته في المحاكم الدولية". نوري المالكي ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي