في مقالي عام (1423) الموافق (2002)، وجهت كلامي إلى وزارة الزراعة والمياه، قبل أن تنفصل المياه عن الزراعة. قلت يجب أن تدرك وزارة الزراعة والمياه أن هناك أزمات مائية حقيقية، وأن عليها أن تدير هذه الأزمات بقوة واقتدار. ماذا أعددنا لمواجهة أزمات المياه التي قد تظهر في مناطق أخرى غير محافظة بيشة؟ هل فكرنا في كيفية إدارة أزمات المياه المقبلة؟! أزمات تحتاج إلى إدارة. تلك الفقرة من المقال كانت قبل سنوات، ما زالت وستظل صالحة وقائمة كفلسفة وسياسة يجب تفعيلها. هل تغير الوضع؟! كل المؤشرات، بجانب صرخات أهل بيشة، تثبت أن الأوضاع تزداد تعقيدا. تتوه الأصوات بين جبال السراة غربا، والصحراء شرقا، تتساقط مزارع النخيل سنة بعد أخرى. أين الجهات المسؤولة وإمكانياتها؟! نتساءل: ما وظيفتهم؟! وقد ساهموا في خلق كل مشاكل المياه الجوفية في المملكة. خلال هذه السنوات، وفي هذا الشأن، تلقيت الكثير من المكالمات والرسائل، تستنجد بقلمي، علّ وعسى، في كل مرة أقول، لا بد أن يكون هناك وزارة مسؤولة واعية، تقوم بواجباتها، خاصة بعد أن أصبح للزراعة وزارة بوزير، وللماء وزارة أخرى بوزير آخر. كنت أتوقع أن يكون الحال أفضل، لكن الحال يزداد غموضا وقلقا، تزداد الأصوات استنكارا وشكوى وتذمرا. في كل عام يتم تهجير نخل بيشة، إلى شوارع مدن المملكة ودول الخليج، بعد تعرضها للموت بسبب الجفاف. أكثر من (100) ألف نخلة يتم اجتثاثها من بيشة وترحيلها قسرا سنويا. كل هذا في وجود سد بيشة الذي تغنت به وزارة الزراعة لمواجهة عطش النخل. هل تصحير بيشة إعلان بعجز الجهات المسؤولة وفشلها في إدارة الأزمة؟!. الحديث عن مياه بيشة ونخلها وإنسانها يأخذ مجراه في هذا المقال الثالث. لكن الأمر أخذ أبعادا جديدة. تقول العرب: [جاء يكحلها أعماها]. هل يكون التلوث عنوان الجريمة البيئية القادمة؟! المشاكل البيئية تحاصر بيشة من كل جانب. هناك جهات تتقاسم المسؤولية، وزارة الزراعة تتحمل العبء الأكبر، والمسؤولية الأعظم، تجاه النخل والزراعة في بيشة. وزارة الزراعة ليست مسؤولة عن المستثمر الزراعي، المفروض أن مسؤوليتها الكبرى تصب في صالح المزارع، الذي يتخذ الزراعة مهنة، عليها دعمه وحمايته، ليبقى في العمل الزراعي. هل نسيت وزارة الزراعة دورها ومهمتها؟! هل بيشة مثال لهذا النسيان والقطيعة؟!. في الجانب الآخر تتحمل وزارة المياه عبء تأمين مياه الشرب النقي لأهل بيشة حاضرة وبادية، أعتذر، فلست بصدد إعطاء محاضرة لتلخيص دور ووظيفة كل جهة. الهدف التذكير بالمسؤوليات التي أعرف، إن كنت على خطأ فعلى كل جهة ان تشرح دورها في أزمة مياه وزراعة بيشة التاريخية، وأيضا تلوث مائها. كانت وزارة (الزراعة والمياه) مسؤولة عن الماء وعن الزراعة قبل فصل المياه إلى وزارة مستقلة، في زمنها وقبل الانفصال، بنت سد وادي بيشة. الذي أعرف أن بناء السد كان من أجل زراعة بيشة في المقام الأول، كان لمواجهة نضوب المياه الجوفية التي عانت منها بيشة، ورغم قناعتي بعدم جدوى بناء السدود، إلا أن السد أصبح حقيقة. كنت قد كتبت عن عدم جدوى بناء السدود في المناطق الجافة في عام (1994)، وضحت ذلك للجميع، وأصبح لديهم معلوم، لكن هناك من لديه رأي آخر. سد بيشة خير مثال على صحة نظريتي. من نتائج بناء السد حجز الماء عن وادي بيشة بكامله، أعترف أن هذا ليس مهما الآن، المهم مواجهة تحديات الواقع بعقلية علمية وبشكل سريع، عقلية تعي خطورة الوضع، وتفاعلاته، ونتائجه على المستقبل. الحقيقة أن سد وادي بيشة كان بهدف تأمين المياه لزراعة بيشة، وحسب نظريتهم، لتغذية المياه الجوفية، هل تحقق هذا الهدف؟! لماذا لم يتحقق؟! النّاس في بيشة يملكون الجواب الشافي والقاطع. الجواب واضح لمن يعاني ويعيش المشكلة. الجواب واضح لمن يراقب ويرصد. هل تحقق شيء من الأهداف الأساسية لبناء السد؟! هل زادت المشكلة تعقيدا على تعقيداتها السابقة؟! ولماذا؟!. القصة تكمن في التنازلات التي كانت بعد انفصال المياه عن الزراعة. هكذا انتقلت ملكية ومسؤولية السدود إلى وزارة المياه. اعتبروها مشاريع للشرب، والحقيقة أن السدود كانت في أساسها مشاريع زراعية، منها سد جيزان، وسد نجران. هذا الوضع خلق مشاكل لبيشة ونخيلها وإنسانها. هل هناك تخبط وعشوائية؟! هل هناك سوء إدارة للمشكلة؟! ويستمر الحديث بعنوان آخر.