الحديث عن بيشة ما زال مستمرا وسيظل. هذا المقال الثاني، عن زيارتي الأولى لواحة بيشة، عام (1423) الموافق (2002)، قبل أكثر من 13 عاما. ماذا وجدت في بيشة في ذلك الوقت؟! تفاعلت، كتبت مقالا، كان جرس إنذار عالي الصوت. مقال شخّص المشكلة، حدّد الاحتياجات، نقل المعاناة، وصف الهمّ. أكبر المصائب التي حصلت، إنه في ذلك الوقت، وفي ظل المعاناة، كانت وزارة الزراعة والمياه، مستمرة في توزيع الأراضي البور في بيشة، لزراعتها وريّها عن طريق استنزاف المياه الجوفية. تناقض، على ماذا يدل؟! هل كان تخبطا وما زال؟! هذا سرد لبقية مقال عام (1423): [شكراً للخطوط السعودية التي أتاحت لي رؤية بيشة من السماء. لأرى نخيلاً يموت واقفاً ومنتصباً. يعلن فشل من حوله في المحافظة عليه. أين وزارة الزراعة؟! كان هذا هو أول سؤال يخطر على بالي. لكني انتقلت إلى أسئلة أخرى. لأني أعرف أن الوزارة لا تسأل إلا عن أرقام تسطرها في تقارير سنوية. تراها إنجازا لهذه الوزارة. ولكني للأسف أراها بصورة مغايرة عندما أفكر بصوت الماء]. [ياللعجب أتنسى هذه الوزارة الكثير من الأمور الأخرى التي تتعلق بالمستقبل. الوزارة في تعاملها مع الماء ترفع شعار "اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب". وها هي أزمة المياه تلقي بظلالها على نخيل بيشة وبساتينها. ويبدأ الفناء. يا ترى هل تظل الوزارة في موقف المتفرج؟! ما تنتظر؟!] [زيارتي لبيشة كانت الأولى. ويا ليتها لم تكن. في كلية المعلمين كان اللقاء مساء يوم الأحد في بداية شهر صفر. لم أكن وحدي كان معي مدير عام الشؤون الزراعية في منطقة عسير. كانت ندوة يديرها مدير الشؤون الزراعية في بيشة. كنت أتوقع أن يكون هناك رؤية وخطط وبرامج واستنفار لدى الإخوة مسؤولي وزارة الزراعة والمياه في منطقة عسير. لكن لم أجد لديهم سوى كلام عن إنجازات لا يراها أحد غيرهم في الصالة]. [كيف يمكن إقناع المزارعين بأن ري الأشجار في شوارع مدينة بيشة بسيارات الصهاريج ليس إهدارا للمياه؟! من يستطيع إقناع المزارعين في بيشة بأن الحفاظ على هذه الأشجار في الشوارع هي أهم من الحفاظ على نخيلهم الذي يموت واقفاً من العطش؟! من يقنع المزارعين بأن الوزارة مهتمة، وهي ما زالت تمنح الأراضي الزراعية وتوزعها في الوقت الذي تموت فيه النخيل واقفة في بيشة؟! من يقنع المزارعين بأن الوزارة حريصة على مصالحهم وأنها ترعى شؤونهم وهي تمنح المزيد من التصاريح للمشاريع وتوزيع الأراضي البور للمزيد من حفر الآبار وبالتالي المزيد من استنزاف المياه]. [اتضح لي أن المشكلة تأخذ بعداً اجتماعياً واقتصادياً قد لا يدركه البعض. وذلك عندما تعالت أسئلة بعض المزارعين الذين يشتكون من عدم الإرشاد والترشيد وعدم المساعدة في طرق الري الحديثة وعدم وجود برامج أخرى توقف شبح أزمة المياه الزراعية التي يعيشونها]. [من يدير أزمة مياه نخيل بيشة؟ من يمكن أن يدير أزمة المياه وأزمة نخيل بيشة؟ هل يمكن لوزارة الزراعة إدارة الأزمة التي باتت لا تحتمل التأجيل؟ أم سنظل نقنع أنفسنا بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان؟! بيشة بنخيلها تظل رمزاً من رموز التاريخ الزراعي في السعودية. بيشة بنخيلها تظل أملاً في مستقبلنا الزراعي. بيشة كانت الغذاء، وكانت الموقف في زمن الجوع والفاقة. بيشة يجب أن تظل أرض الخير، أرض التمر، أرض العطاء. قطعة حية من تاريخ هذا البلد العظيم ومزهوة بنخيلها وإنتاجه الشهير]. [لا نريد أن تكون بيشة فاجعة السعودية الأولى. لا نريد أن تكون بيشة فاجعة لسوء إدارتنا للمياه وللبيئة. لا نريد أن تكون بيشة فاجعة لسوء تخطيطنا الزراعي. لا نريد أن تكون بيشة فاجعة لسوء تصرفاتنا واجتهاداتنا. لا نريد أن تكون بيشة فاجعة لسوء إدارتنا أيضاً لأزمات المياه]. [يجب ألا يكون هناك أي اجتهاد في مجال المياه. يجب أن نبني برامجنا وحلولنا وفق برامج وليدة لخطط مستندة على إستراتيجية نابعة من رؤية واضحة تخدم كل الأجيال وتحافظ على الموجود وتؤسس للمستقبل. ألا يكفي أكثر من ثلاثين عاماً من التجاهل للحفاظ على المياه. ألا يكفي أكثر من ثلاثين عاماً من التجاهل لجميع توصيات خطط التنمية حول المياه]. ويستمر الحديث بعنوان آخر.