قرأت قصة العالم "غاليليو"، الذي قال ان الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، فاتهمته الكنيسة بأنه يعترض على ما جاء في الإنجيل، وحكمت عليه بالسجن، ومات منفياً في منزله، وقد قدمت الكنيسة اعتذاراً له لكن بعد فوات الأوان، وقد ربطت هذه القصة بسيرة المفكر والفيلسوف والطبيب والقاضي والفقيه ابي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الذي أثر بي كثيراً، ابن رشد عالم أفنى حياته في البحث والدراسة والتفكير، لكنه لم يمت متدثراً بالحرير أو تجمعت الحشود الغفيرة في جنازته، ولم يلق اي تكريم في حياته، لقد مات من الكآبة بعد ان أمر الخليفة الموحدي ابو يعقوب المنصور بجمع كتبه في إحدى ساحات إشبيلية وحرقها، بعد التحريض عليه واتهامه بالزندقة. وقد أجبر ابن رشد على مشاهدة هذا المنظر الحزين، لم يعرفوا انهم عندما حرقوا كتبه كانوا يحرقونه، وأنهم عندما مزقوها مزقوا كيانه، والشيء الذي لا يعرفونه حقاً، هو أن العلم لو احترق مائة مرة في مائة حضارة، انه لا يفنى ولا يموت، ما لا يعرفه أعداء العلم، ان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، رحل الخليفة المنصور ولم يذكر له التاريخ سوى حرقه لكتب ابن رشد، واليوم كتب ابن رشد موجودة في كل أنحاء العالم وبشتى اللغات لأن افكاره لا تزال باقية، واسمه في المناهج التعليمية في دول العالم، ليس فقط من ناحية دراسة قوانينه بل ايضاً لأنه مضرب مثل بحب العلم والانجاز والبحث والتطوير، لأنه قدوة حقيقية للحضارات، ويؤلمني ان نتائج البحث باللغة الانجليزية عن ابن رشد أفضل بكثير من العربية، وقد لمست انهم يقدرون ويعلون ويهتمون بتضحيات العلماء أكثر منا، على سبيل المثال لا الحصر، أسس الفيلسوف بيترو بمبوناتسي مدرسة عرفت باسم "المدرسة الأرسطية الرشدية، تمت تسمية كويكب باسم "ابن رشد 8318" تيمناً باسمه، وتقديراً لشغفه بالعلوم... الذي أصل له أننا عندما نعمل ونتعب ولا نجد ثمرة لجهدنا يجب الا نستسلم او نيأس، كثيرون هم العلماء الذين يعيشون في شقاء مع المعادلات الرياضية الصعبة ومع التلسكوبات الجامدة أو بين الكتب العلمية والنظريات المتعددة، وهذا لأن لديهم شغفا بالعلم والابتكار ولإفادة البشرية كافة وخدمة الأجيال القادمة، والكثير منهم يموتون دون ان تقال لهم كلمة "شكراً" دون اعتبار، يموتون مكسورين وحيدين منبوذين مهزومين، لكن لعل أجمل ما يقال لهم اليوم، امسحوا دموعكم فقد خلدكم التاريخ.