تعمل الولاياتالمتحدةوتركيا على بناء «تحالف مصالح» بينهما للتعامل مع النزاع في سوريا والتعاون لإقامة منطقة خالية من تنظيم داعش، على الرغم من الخلافات بينهما في السياسة الواجب اعتمادها حيال المقاتلين الأكراد. وأعلنت تركيا الشهر الماضي بعد انتقادات كثيرة طالتها لتخلفها عن تقديم ما يلزم للمساعدة في التصدي لتنظيم داعش إستراتيجية جديدة لاقت استحسان واشنطن وحلف شمال الأطلسي. وفتحت أنقرة قاعدة أنجرليك الجوية في جنوبتركيا لطائرات الائتلاف الدولي بقيادة امريكية. كما نفذت بدورها غارات جوية ضد التنظيم واعتقلت عناصر يشبه بانتمائهم إلى صفوفه في تركيا. وقصفت طائرة أمريكية من دون طيار الاربعاء هدفًا لداعش في سوريا في اول عملية جوية لطائرة امريكية تقلع من تركيا، وفق ما اوضح مسؤول تركي. وامس أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل 51 من عناصر تنظيم داعش خلال ال48 ساعة جراء قصف طائرات التحالف الدولي بشكل مكثف تمركزات ومواقع وحواجز التنظيم في دير الزور والحسكة والرقة. وقال المرصد في بيان الخميس: إن غالبية القتلى من الجنسية السورية، وبينهم ثمانية على الأقل من الأطفال المقاتلين من «أشبال الخلافة». وأشار إلى مقتل 11 من داعش جراء استهداف مبنى المؤسسة الاستهلاكية في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، والذي يتخذه التنظيم مقرًا «للمحكمة التنفيذية» في المدينة، بينما قتل 29 منهم في استهداف لمنطقة معسكر الكرين قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي. ولفت إلى مقتل البقية جراء استهداف مواقع وحواجز للتنظيم وآليات على الطرق المؤدية إلى حلب وحماة ومناطق بريف الحسكة. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو قد اعلن بدء وصول طائرات امريكية إلى قاعدة إنجرليك مضيفًا: «سنبدأ معًا خلال فترة قريبة مكافحة شاملة ضد داعش». لكن محللين يعتبرون ان هذا التحالف محفوف بتناقضات محتملة نابعة بشكل رئيسي من تركيز تركيا على استهداف الاكراد وامتناع واشنطن عن التحالف مع الكتائب الاسلامية على الأرض. واستهدفت معظم الغارات التركية في اطار «الحرب على الارهاب» قواعد تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض منذ عقود طويلة تمردًا في جنوب شرق تركيا ولديه قواعد خلفية في شمال العراق. ويقول المحلل في مركز «بروكينغز» للأبحاث في الدوحة تشارلز ليستر: «لا يزال حزب العمال الكردستاني والأكراد القضية الأساسية بالنسبة الى تركيا اكثر من تنظيم داعش». قلق رئيسي ويشكل تصاعد نفوذ حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب الكردية، مصدر قلق رئيسي لتركيا التي تعتبره فرعًا لحزب العمال الكردستاني. وأثبتت الوحدات الكردية التي طردت تنظيم داعش من مدينة كوباني في يناير انها القوة الاكثر فاعلية في التصدي للتنظيم في سوريا وباتت حليفًا رئيسيًا للائتلاف الدولي. ويقول هنري باركي، مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز ودرو ويلسون الدولي للابحاث في واشنطن: «تلك العلاقة العميقة بين الولاياتالمتحدة ومجموعة كردية تسعى في نهاية المطاف الى اقامة حكم ذاتي في سوريا تخيف تركيا بالفعل». ولعل اسوأ كوابيس انقرة هو قيام منطقة ذات حكم ذاتي كردي في سوريا يسميها الاكراد «روج آفا» أي غرب كردستان بالكردية، شبيهة بإقليم كردستان في شمال العراق. وتخشى ان يغذي ذلك مجددًا الطموحات الانفصالية لدى اكراد تركيا. وغضت الولاياتالمتحدة من جهتها نظرها عن التركيز التركي على الاكراد، واصفة أنقرة بأنها «شريك أساسي» في الحرب ضد تنظيم داعش، واعتبرت ان لديها الحق في «الدفاع عن نفسها» ضد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه واشنطن كمنظمة ارهابية. بنود الاتفاق وينص ابرز بنود الاتفاق التركي الامريكي الجديد على انشاء منطقة خالية من تنظيم داعش تأمل انقرة ان تكون آمنة كفاية بما يسمح بعودة نحو 1,8 مليون لاجئ سوري تستضيفهم على اراضيها الى بلادهم لتخفيف العبء المتزايد. واعلنت الوكالة الحكومية التركية المكلفة ادارة الكوارث استعدادها لبناء مخيمات جديدة للاجئين في غضون 24 ساعة من انشاء المنطقة الامنة. لكن الاكثر اهمية بالنسبة الى انقرة هو أن هذه المنطقة الخالية ستحول دون تحقيق الطموحات الكردية باللسيطرة على مساحات شاسعة من الاراضي السورية على الحدود التركية، تمتد من شمال العراق حتى البحر الابيض المتوسط. ويقول آرون شتاين من مركز «اتلانتيك كاونسيل» للأبحاث ومقره واشنطن: «تخشى تركيا من انشاء حزام كردي يمتد على اطول حدودها البرية، ما من شأنه ان يعيق قدرتها على الوصول الى معظم سوريا». واتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اكراد سوريا بالسعي الى «تشكيل ممر من اقصى الشرق الى البحر المتوسط» مضيفًا: «لن تسمح تركيا بلعبة الارهابي الجيد والارهابي السيئ. فالإرهابي هو إرهابي»، في إشارة الى عدم التمييز بين الجهاديين والمقاتلين الاكراد. ووفق تقارير صحافية، فإن المنطقة الآمنة المقترحة ستمتد لنحو مئة كيلو متر على طول الحدود السورية التركية من مدينة جرابلس على نهر الفرات شرقًا الى مدينة اعزاز غربًا. ويرى الباحث في مجلس العلاقات الدولية ستيفن كوك ان «سعي أنقرة لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا يبدو متعمدًا للتأكد من عدم قدرة اكراد سوريا على استثمار مكاسبهم الميدانية في المعارك ضد داعش لإقامة حكم ذاتي». ويبقى من غير الواضح كيف سيصار الى اقامة المنطقة «الآمنة» على الارض وهوية القوات التي سيعتمد عليها داخل سوريا لضمان امن هذه المنطقة وطرد تنظيم داعش منها. ويقول شتاين: «إنها علامة الاستفهام الكبرى»، مضيفًا: «من غير الواضح كيف سيجتاز الطرفان هذه المشكلة الواضحة». وتبدو وحدات حماية الشعب الكردية خارج اللعبة بسبب الاعتراضات التركية ولا ترغب واشنطن بالعمل مع فصائل اسلامية، ما يعني انه على الائتلاف الدولي ان يعتمد على الفصائل السورية العربية المقاتلة في مواجهة المتطرفين. وخضع أقل من ستين مقاتلًا معارضًا سوريًا لبرنامج «تدريب وتجهيز» أمريكي تركي مشترك لكن المشروع انتهى بكارثة بعد خطف جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا) عددًا منهم إثر دخولهم الى سوريا. ويوضح شتاين «ربما بإمكانهما التوافق على حماية الوحدات التي سينضم إليها المقاتلون المدربون والمجهزون وستكون على الارجح في حلب ومحيطها».