بإعلان الحكومة المصرية أن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية ستجرى مطلع أكتوبر المقبل، وأن المرحلة الثانية ستكون في منتصف نوفمبر، انتهت مرحلة طويلة من المخاض العسير، حول الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق التي أعلنها الجيش المصري عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في ثورة شعبية في 30 يونيو 2013. وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى مقر الرئاسة المصرية، بانتظار تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانوني مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب وفق تصريح خاص لمستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات اللواء رفعت قمصان بعد أن كان قد صدّق قبل أيام على قانون واحد من قوانين الانتخابات الثلاثة، وهو قانون تقسيم الدوائر، يبدو أن الحياة ستعود مشتعلة للساحة السياسية التي شهدت جدلاً طويلاً بشأن القوانين الثلاثة، وحول التأخير الكبير في إجراء الانتخابات، التي كان مقرراً لها مارس الماضي، لكن المحكمة الدستورية العليا قضت بوقف إجراءات الانتخابات، وبطلان قانون تقسيم الدوائر، بعد نظر طعون قانونية، تطلبت إعادتها مرة أخرى للحكومة لتعديلها. تصديق الرئيس اللواء قمصان أكد ل(اليوم) أن تصديق الرئيس السيسي على القوانين فتح الباب عملياً لإجراء المرحلة الأولى من الانتخابات مطلع أكتوبر المقبل. وأضاف: إن البرلمان بشكله الجديد "سينعقد بداية ديسمبر على أقصى تقدير".. مشيراً أيضاً إلى أنه سيتم الإعلان عن الجدول الزمني لإجراء الانتخابات، فور الانتهاء من إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بقرار من رئيس الجمهورية، بعد أن بلغ نحو 5 من الأعضاء ال7 الحاليين سن التقاعد بينما تم استبعاد آخرين من مناصبهم في 30 يونيو الماضي. وفيما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات برئاسة القاضي أيمن عباس في بيان أنها في حال انعقاد دائم لمتابعة التعديلات التشريعية على قوانين الانتخابات (مباشرة الحقوق السياسية وتقسيم الدوائر ومجلس النواب)، توقع مصدر خاص ل(اليوم) أن تعقد اللجنة بتشكيلها الجديد أول اجتماعاتها عقب إجازة عيد الفطر، للإعلان الرسمي عن جدول الانتخابات. اتهامات بالتواطؤ الشارع السياسي الذي انفجر بشدة عقب تأجيل الانتخابات وصل به التوتر حد اتهام الحكومة بالتواطؤ مع "الإخوان"، بينما سادت تكهنات تتهم الرئيس السيسي مباشرة بالمسؤولية المباشرة عن التأخير. تيار الاستقلال، الذي يرأسه المستشار أحمد الفضالي، كان صاحب الصوت الأعلى وإن كان غير مؤثر وقال في بيان له، حصلت (اليوم) على نسخة منه: إن من يروّجون لوجود عوار دستوري في قانون تقسيم الدوائر "يريدون عرقلة إجراء انتخابات مجلس النواب الجديد وليس لديهم أي تواجد في الشارع السياسي وهم يريدون عرقلة استكمال مصر لخارطة المستقبل". التيار هدّد الحكومة وفق ذات البيان بأنها إذا استمعت لمثل هذه الدعوات فستكون متواطئة مع أصحابها وفي مقدمتهم تنظيم الإخوان ومن يساندهم، خاصة الذين يهددون بإقامة دعاوى قضائية للطعن بعدم دستورية قوانين الانتخابات البرلمانية محذرا الحكومة من عرقلة إجراء انتخابات مجلس النواب. عش الدبابير وباقتراب العد التنازلي للانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل طويلاً، تتجدد المخاوف المتراكمة التي ضربت الساحة السياسية المصرية طيلة العامين الماضيين، بشأن ما يعتبره مراقبون "عش الدبابير الكامن في صناديق الاقتراع". الخوف من تسلل رجال نظام الرئيس الأسبق مبارك، أو "الفلول" حسب التعبير المصري، وكذلك هستيريا "فزاعة الإخوان" والعناصر المحسوبة عليهم "سراً"، والتي يمكن أن تدخل منافسة الترشح، بعيداً عن عيون الرقابة الاجتماعية أو الأمنية، التي تتحسب لكل شيء. كلاهما -"الفلول" و"الإخوان"- يمثلان أرقاً شديد الحساسية للشارع المصري، الذي بات متحفزاً بشكل أكثر عدائية للجماعة المحظورة، نتيجة أعمال العنف المحسوبة عليها، أو التي تتهم بها مباشرة، فيما بات ذات الشارع أقل تحفظاً بدرجة ما، تجاه "الفلول"، أو رجال الحزب الوطني المنحل، الذي ربما يدفع ببعض أعضاء الصفين الثاني والثالث لخوض المنافسة بعيداً عن الأسماء الشهيرة، التي يتهمها المصريون بإفساد الحياة السياسية. صراع المجهول وبين مطرقة "الفلول" وسندان "الإخوان"، يقف الرئيس عبدالفتاح السيسي دون "ظهير سياسي" يدعمه، مكتفياً بظهيره الشعبي الأغلب في الشارع المصري، والذي تنتابه شكوك كثيرة، بمواجهة البرلمان المجهول، ذي الصلاحيات الهائلة في دستور 2014، والتي تنافس صلاحيات الرئيس ذاته. صحيح أن دعوات السيسي للأحزاب السياسية بالتوحد في قوائم موحدة تتيح لها المنافسة والمشاركة، لكن النظرة الضيقة للأحزاب ومعظمها هشٌّ للغاية أفشلت الدعوة، ما فتح الباب على مصراعيه لمزيد من التكهنات اليائسة. الأحزاب التي تتصارع على 20 بالمائة فقط من المقاعد، لا تزال تعيش حالة الانفصام بينها وبين الشارع، وبالتالي كان صراع المقاعد الفردية "المجهولة" هو فرس الرهان و"المستنقع" الذي يعيد المخاوف للمربع الأول والمعادلة الصفرية. رئيس بلا ظهير سياسي (حزب أو ائتلاف) بمواجهة تحالفات معقدة، من كل الأطياف، ما خفي منها وما بطن، ليعود الحديث مرة أخرى عن حالة الفراغ السياسي والفكري التي يعيشها المجتمع المصري، مع تشاقط كل رموز "النخبة" المشغولة بمراكز نفوذها ومصالحها الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. بين «ظهيرين» كاتب وشاعر كبير مثل فاروق جويدة، الذي كان أحد مستشاري الرئيس المعزول محمد مرسي، سخر من دعاوى "الظهير السياسي"، معتبراً هذا الطرح "مريباً وساذجاً" يعود بنا إلى "تلك المنظومة القديمة تحت ستار حماية النظام". وقال في مقال له بصحيفة الأهرام: إن "السيسى لا يريد ظهيراً سياسياً ولكنه يريد دعماً وطنياً من كل أبناء هذا الشعب، ولا ينبغي أبدا أن يمثل فريقاً أو تياراً سياسياً حتى لا نسقط مرة أخرى في أسطورة الحزب الواحد أو وصاية الجماعة". جويدة انهال بعنف على الحياة السياسية التي تراجعت كثيراً بسبب "تلك الكيانات السياسية الهشة والمريبة التي أنشأتها الحكومات المتعاقبة لملء الفراغ السياسي، وتقديم نماذج معلبة لتيارات وأحزاب وتجمعات سياسية غير حقيقية"، معتبراً هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي (أيام عبد الناصر) وحزب مصر والحزب الوطني (أيام السادات ومبارك) "صناعات حكومية افتقدت روح الحرية وقدسية الفكر والوطنية الصادقة". وأضاف: إن "هذه التجمعات لم تقدم تجارب سياسية لتصنع مناخا سياسيا يقوم على احترام الحريات والتعددية والانتخابات الحرة.. كانت جميعها تحمل ملامح واحدة وهي منظومة الحزب الواحد"، مؤكداً أن "هذه المنظومة المرتبكة الخاطئة كانت سببا في اتساع مساحة الفراغ السياسي بحيث تحولت الساحة إلى مجموعة من الكومبارس السياسي الذي يدور حول البطل سواء كان اتحاداً قومياً أو اشتراكياً أو مجموعة من رجال الأعمال في الحزب الوطني المنحل". الصندوق.. اللغَم! بين هذا وذاك، يتمسك المصريون بمساحة من التفاؤل تتيح لهم عبور المرحلة، التي -وفق مراقبين- ستنهي تماماً أسطورة جماعة الإخوان، وربما بقليل إرث "الفلول".. ومع ذلك يبقى صندوق الاقتراع هو اللغم المزمن الذي لا يدري أحد، سينفجر في وجه من؟.