جلس كرم شحتو على أحد جنبات زقاق في حي دار السلام العشوائي (جنوبالقاهرة)، يتطلع إلى لافتة تعلن تدشين المقر الانتخابي لحزب «الحركة الوطنية» الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، يحدوه الأمل في موسم «سخي» للانتخابات التشريعية المتوقع انطلاقها قبل نهاية العام الحالي. فشحتو لديه خبرة طويلة في العمل ضمن الحملات الانتخابية للمرشحين، اكتسبها منذ أن كان عضواً بارزاً في حملات مرشحي الحزب الوطني الديموقراطي المنحل. ويعمل الرجل الأربعيني موظفاً في أحد مكاتب وزارة التربية والتعليم في مجمع التحرير في قلب العاصمة، لكنه يعتبر الانتخابات التشريعية «موسماً لتحقيق المكاسب المالية التي تعود بالمنفعة على أسرتي التي تضم أربعة أبناء». ويعاني حي دار السلام من تردي الخدمات، فالشوارع ضيقة، والبيوت لا يفصل بين أحدها والآخر سوى أقل من متر، وأوحال الصرف والروائح الكريهة تنتشر في ربوع المكان. ويقول شحتو الذي عاش حياته في هذا الحي الذي كان يتاخم الصحراء قبل أن يعاصر هجرات سكان الصعيد والريف ليكتظ بالسكان: «مر عليّ كثير من المرشحين منذ كان يجلبنا مندوبو المرشحين لحضور المؤتمرات الانتخابية والمسيرات نظير بضعة جنيهات». لكن مع الوقت، ترقى شحتو إلى أن بات أحد الوجوه المعروفة في هذا المجال، وبات يطلب بالاسم من جانب المتنافسين خلال السنوات العشر الماضية. ويضيف ل «الحياة»: «لست منحازاً إلى أي فصيل سياسي. أقدم خدمة نظير أموال ولا يفرق معي هذا (المرشح) فلول، أو إخواني، أو ليبرالي. ويوضح: «تعاملت مع مرشحي الحزب الوطني قبل إطاحة نظام (الرئيس السابق حسني) مبارك، وفي الانتخابات التي أعقبت سقوطه (عام 2011) طُلبت من حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) في المنطقة للعمل معه»، لكنه يشير إلى أنه لم يحصل على أموال كثيرة من «الإخوان» لأن «الجماعة لا تأمن إلا لأعضائها، على عكس مرشحي الوطني». وقال: «أرفض التدخل في عملي من جانب أنصار المرشح، وهو الاتفاق الذي تم خرقه مع مرشح «الإخوان» في الانتخابات الماضية، كما أن الأمانة تحتم ألا أعمل مع أكثر من مرشح، إلا في حال الاتفاق بين المرشح الذي أعمل معه في حال نزوله على مقعد الفئات مثلاً، مع مرشح آخر عمال، أو العكس، الاتفاق يبدأ بجلسة مع المرشح في المنطقة للاتفاق على طلباته: كم عدد المؤتمرات الانتخابية التي سيعقدها؟ هل سيقوم بمسيرات في شوارع الحي؟ ما هو عدد اللافتات التي سينشرها؟ والاتفاق على الشوارع التي سينشر لافتاته فيها، والجدول الزمني للدعاية، كما يتم الاتفاق على النفقات». وأضاف: «أتفق معه على حصتي التي تقسم على دفعات، فيما يجرى الاتفاق على ما إذا كان سيوكل إلي الاتفاق على شراء اللافتات وحاجات المؤتمرات الجماهيرية والمسيرات، أم ستوكل تلك المهمة لآخرين تحت إشرافي. أما يوم الاقتراع فله موازنة خاصة من أجل الإنفاق على وسائل حشد الناخبين أمام لجان الاقتراع». وأشار إلى أن زملاءه في الدائرة «اتفقوا ضمناً على ألا يحصل اعتداء من مناصري مرشح ضد منافسه، إضافة إلى عقد جلسات لتنظيم توقيتات المؤتمرات الانتخابية والمسيرات حتى لا تتعارض مع بعضها بعضاً». ولفت إلى «تباين معتاد في الإنفاق بين المتنافسين على مقعد دار السلام. في العادة الذي ينفق أكثر يكون له الحظ الأكبر في المقعد، المرشحون ليسوا أغبياء ويدركون جيداً قيمة المقعد النيابي ويعلمون كيف سيعيدون أموالهم التي أنفقوها. لا يعنيني ما سيفعله المرشح عقب وصوله. أقدم خدماتي حتى وصوله إلى البرلمان، وبعدها لا نراه في الدائرة». وتتخوف قوى سياسية من سيطرة رأس المال على الاستحقاق التشريعي الذي تترقب الأوساط السياسية إعلان جدوله الزمني بعد إصدار الرئيس عبدالفتاح السيسي قانون تقسيم الدوائر الانتخابية. وكان السيسي أكد خلال استقباله وزير خارجية الأرجنتين هكتور تيمرمان «انعقاد الانتخابات البرلمانية قبل نهاية العام الحالي». ويتجدد الجدل الذي يصاحب كل استحقاق نيابي في شأن أفضلية الاختيار بين النائب القادر على تقديم الخدمات لدائرته، والنائب الذي يتمتع بإمكانات المشاركة في صياغة التشريعيات والرقابة على الحكومة، لا سيما أن البرلمان المقبل يكتسب أهمية كبيرة لدوره في تشكيل الحكومة الجديدة. وعلى بعد خطوات من الشارع الذي التقت فيه «الحياة» شحتو، اصطفت مجموعة من النساء أمام سرادق دشنه حزب «النور» السلفي لبيع ملابس ومنتجات المدارس بأسعار زهيدة قبل الموسم الدراسي الذي يبدأ الأسبوع المقبل. ويتوقع شحتو أن يبدأ موسم الدعاية الانتخابية مع عيد الأضحى مطلع الشهر المقبل، إذ تستغل غالبية الراغبين في الترشح تلك المناسبة في توزيع اللحوم على أهالي الحي، إضافة إلى نشر لافتات التهنئة بالعيد. ولم تتبلور خريطة نهائية للمتنافسين على مقاعد البرلمان البالغة 540 مقعداً، إذ لم يكتمل تشكيل التحالفات باستثناء «تحالف الوفد المصري» الذي يقوده حزب الوفد، ويضم أحزاب «المصري الديموقراطي الاجتماعي»، و «الإصلاح والتنمية»، و «المحافظين»، وعدداً من الشخصيات السياسية، وتحالف «الجبهة المصرية – تحيا مصر» الذي يقوده حزب «الحركة الوطنية» ويضم أحزاباً محسوبة على نظام الرئيس السابق حسني مبارك. ولا يزال تحالف «الوفد المصري» يجري مفاوضات مع تحالف «التيار المدني الديموقراطي» الذي يضم أحزاباً كانت وقفت خلف المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. لكن تلك المفاوضات لم تتكلل بالنجاح حتى الآن. ويصر حزب «المصريين الأحرار» على خوض التشريعيات منفرداً، وكذلك حزب «النور» السلفي. وانعكس هذا التخبط وتأخر إصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية على عمل محترفي الانتخابات. ويقول شحتو: «حتى الآن لم تتضح خريطة المتنافسين في الدائرة. هناك شخصيات تعلن نيتها الترشح، لكنها لم تتخذ خطوات فعلية على الأرض، إذ لا تعلم حدود دوائرها حتى الآن». وأبدى قلقه من تضييق فترة الحملات الانتخابية بعد الإرجاء المتكرر لصدور القانون، ما سيؤثر في حجم مكاسبه. ووفقاً لقانون تنظيم التشريعيات، فإن المنافسة على مقاعد البرلمان ستقسم بين 420 مقعداً بالنظام الفردي و120 مقعداً بنظام القوائم المطلقة، ما يثير تحفظات غالبية الأحزاب السياسية التي كانت ترغب في توسيع المنافسة بنظام القوائم لتقوية وجودها تحت قبة البرلمان. ويقول الخبير في الشؤون البرلمانية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» عمرو هاشم ربيع إن «الانتخابات على مر العصور باتت تتحكم فيها سطوة رأس المال، ولا مناص من ذلك. هذا الأمر موجود في كل دول العالم، ونادراً ما يصل الفقراء إلى البرلمان». وأضاف ل «الحياة» أن «التشريعيات تعد تبادل الرشى بين مرشحين من أجل حصول تنازلات، وفي الماضي كان ذلك بين المرشح والسلطة». وعن قدرة الأحزاب على الوصول إلى البرلمان، أوضح ربيع أن «هناك بعض الأحزاب غنية لطبيعة مؤسسها، وأخرى فقيرة لن تجد لها مكاناً. وهناك أحزاب تجد ضالتها في مرشح غني يستطيع قيادة الإنفاق على قائمته أو المشاركة في الدعاية للحزب».