فور توقيع الاتفاق النووي الثلاثاء الماضي تزايد الحديث عن واقع ومستقبل العلاقات الخليجية -الأمريكية والتى ما زال البعض في واشنطن وعواصم خليجية يعتبرها إستراتيجية بغض النظر عن الخلاف مع إدارة الرئيس أوباما بسبب سياساتها في التخلي عن حلفاء الأمس واندفاعها غير المفهوم لتوثيق العلاقات مع عدو الأمس، ومن هذا المنطلق جاءت ردود الفعل الخليجية من باب المجاملة البيانية فيما كان البيان السعودي مُتشائماً ومحذراً بالقول «في ظل اتفاقية البرنامج النووي فإن على إيران أن لا تستغل مواردها في إثارة الاضطرابات والقلاقل في المنطقة. الأمر الذي سيواجه بردود فعل حازمة من دول المنطقة». وذهب بعض الخليجيين إلى درجات عليا من التشاؤم تُصور الولاياتالمتحدة وكأنها هي العدو القادم لدول الخليج وسط مزاج يرسخ دون أن يدري ربما بأن بعض دول الخليج تريد أن تتحول لمعارض ومشاكس للسياسات الأمريكية في المنطقة - وسط بعض المقالات المنفعلة أو بعض التصريحات غير الرشيدة في هذه اللحظة التي قد يعتبرها البعض حرجة في عامل الثقة -وهذا ما تحلم به إيران ولوبيها القوي في الولاياتالمتحدة وتتمناه دول اقليمية «والحقيقة أن رأسمال العلاقات باق» ولو حدثت بعض الخسائر. من حيث المبدأ فمن حق الولاياتالمتحدة أو غيرها تحسين علاقاتها مع أية دولة في العالم لكن الجديد والخطير في الاتفاق المُبرم بين إيران والغرب حيال البرنامج النووي -من وجه نظر سياسية -هو «ليس دخول إيران نادي الدول النووية بطريقة ما وتزايد احتمالات حصول نظام الملالي على سلاح نووي ولو بعد عشر سنوات» وهذا بحد ذاته «كابوس مُرعب لدول الخليج» ولكن ما هو الأخطر إستراتيجياً هو «التحول الإيجابي في العقيدة السياسية لدى أمريكا والغرب تجاه إيران والعكس»، فإيران والتي كانت «محور الشر» تحولت لدولة عاقلة وموثوقة، وامريكا والتي كانت «الشيطان الأكبر» أصبحت في نظر نظام الملالي حاميا للمصالح الإيرانية في واشنطن. ولعل حديث مرشد الثورة علي خامنئي، خلال خطبة عيد الفطر الإيرانية وتشديده على «أن ايران لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، والشعبَين المضطهدَين في فلسطين واليمن، والشعبَين والحكومتَين في سوريا والعراق، والشعب المُضطهد في البحرين» دليل صارخ على البجاحة الإيرانية الجديدة كما أن قوله «إن ارادة ايران قائمة على دعم جميع المظلومين والتصدي لجميع الظالمين» رسالة واضحة على أن إيران الثورة لن تتوقف عن سياساتها التخريبية السابقة في الاقليم والعالم. وعلى عكس ما تتمناه ادارة الرئيس الأمريكي أوباما فغالب دول مجلس التعاون الخليجي تُدرك جيداً أن الاتفاق سيعني حتماً بدء سباق نووي في المنطقة كما ستكون للاتفاق انعكاسات سلبية على أسعار النفط لغير صالح الخليج والسعودية بالتأكيد، ولذا يجب على دول مجلس التعاون سرعة حسم الوضع اليمني لصالح قوى الشرعية والتفرغ لمرحلة إقليمية جديدة والتي ستكون لها انعكاسات أخرى على الوضعين السوري والعراقي وربما الوضع اللبناني لصالح إيران. أخيراً.. السفير الأمريكي السابق في الرياض «جميس سميث» وفي لقاء تلفزيوني بعد الاتفاق استغرب عدم وجود سفير سعودي في واشنطن في هذه اللحظة التاريخية وكثير يتفقون معه ويتمنون سرعة اختيار سفير نشيط، فالتحديات أمام السياسة الخارجية والدبلوماسية السعودية ستكون مُختلفة بعد اتفاق فينا التاريخي حيث سيتحول التعاون والتنسيق السري بين واشنطن وطهران إلى صيغة جديدة أكثر علنية وفاعلية ربما.