بما أننا في شهر القرآن شهر رمضان حُق لنا أن نقف مع جانبٍ مهمٍ من كتاب الله ألا وهو «التدبر له»، فتدبر القرآن ورد الحث عليه في كتاب الله في مواضع: 1- قال تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» [ النساء : 82 ] . قال ابنُ كثير: «يقول تعالى آمراً لهم بتدبر القرآن ناهياً لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق» . 2- وقال تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها» [ محمد : 24 ]. قال ابن القيم في «مدارج السالكين»: «فلو رُفعت الأقفالُ عن القلوب لباشرتها حقائق القرآن، واستنارت فيها مصابيح الإيمان، وعلمت علما ضروريا يكون عندها كسائر الأمور الوجدانية من الفرح والألم والحب والخوف أنه من عند الله. 3- وقال تعالى: «كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أُولوا الألباب» [ ص : 29 ]. قال القرطبي: «ليتدبروا حجج الله التي فيه، وما شرع فيه من شرائعه، فيتعظوا ويعملوا به» . ولعلي أضع شيئا من أقوال وأفعال السالفين في تدبر القرآن لنعلم الفرق بيننا وبينهم، ونتشبه بهم إن لم نكن مثلهم، فلا شك، فرق بين من عايش حلاوة تدبر القرآن وبين من ابتعد عنه، بل أضحى كتاب الله مهجورا كما قال تعالى: «وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا» [ الفرقان : 30 ]. * قال أبو عثمان المغربي (ت 373): «ليكن تدبرك في الخلق تدبر عبرة، وتدبرك في نفسك تدبر موعظة، وتدبرك في القرآن تدبر حقيقة، قَالَ الله تعالى: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن»، جرأك بِهِ عَلَى تلاوته، ولولا ذَلِكَ لكلت الألسن عن تلاوته». * وقال ابنُ عيينة عن عمرَ بن ذرٍّ (ت 153): «كان إذا قرأ «مالك يوم الدين» قال: «يا لك من يوم ما أملا ذكرك قلوب الصادقين» . * عن الضحاك (ت 102) قال: «حقّ على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها، وتلا قول الله: «كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب» [ آل عمران : 79 ]. * عن أبي عبدالرحمن السلمي (ت 74) قال: أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العَشر الأُخر حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وسيرثُ القرآن بعدنا قومٌ يشربونه شرب الماء لا يجاوزُ تراقيهم». وبعد ذكر هذه النماذج قولا وفعلا لتدبر القرآن لا يفوتني الإشادة بالجهود المبذولة لإعادة الناس وتذكيرهم بأهمية تدبر كتاب الله ومنها «الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم» والتي يتولى رئاسة مجلس إدارتها الأستاذ الدكتور ناصر العمر، فهي تقوم بجهود مشكورة عن طريق الدروس والمؤتمرات والمطبوعات والبرامج التلفزيونية، وفق الله القائمين عليها. وهنا رابط الموقع http://www.tadabbor.com . أنصح الجميع بزيارته والاطلاع على الجهود الرائعة للهيئة.