غاب تدارس القران وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار لدى الكثير من المسلمين في الوقت الحالي بحجة مشاغل الحياة، وبات البعض يجلس الساعات الطوال أمام مواقع التواصل الاجتماعي مقابل تجاهل كتاب الله تعالى، والاكتفاء بوضع المصحف في السيارة أو المكتب، ولا يطالعه إلا في المواسم كشهر رمضان أو عندما تحل به كارثة متجاهلين تلاوته وتدبر آياته ومعانيه عملا بقوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). «الرسالة» تحاول أن تبحث عن أسباب هذا الهجر الذي حل بالقرآن الكريم في واقعنا المعاصر، ولماذا هذه القطيعة التي يقوم بها بعض المسلمين تجاه كتاب الله؟ وما الدور الذي ينبغي أن يقوم به الدعاة والعلماء والخطباء لإحياء القرآن في القلوب؟!. بداية يؤكد الشيخ محمد هادي القحطاني الداعية المعروف على أن الله أنزل هذا القرآن ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، حيث قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). وأشار إلى أن السلف الصالح تمسك بالقرآن الكريم، وحولوا تلك الآيات إلى منهج حياة متكامل، بأوامره يأتمرون، وبنواهيه ينتهون، بل حولوها إلى رجال تتحرك في واقع البشر؛ فكان القرآن مصدر عزهم وشرفهم وسيادتهم، ومن ثَمَّ جعلهم قادة وسادة للأمم بعد أن كانوا رعاة للإبل والغنم، موضحا أنه شتان ما بين الخلف الطالح والسلف الصالح، حيث هناك هجر للقرآن على جميع المستويات بشتى الأشكال كهجر التلاوة، والاستماع، والتدبر، والعمل، والتحاكم، والتداوي والاستشفاء بالقرآن، حتى صدق على الكثير منا قوله تعالى:(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا). قلوب قاسية وذكر القحطاني أن استماع القرآن ارتبط في أذهان كثير من المسلمين بالأحزان والسرادقات التي تقام للمآتم بل أقبل الناس على سماع اللهو والغناء والمزمار وهجروا قرآن العزيز الغفار، وقال: «لقد هجر القرآن تدبرًا.. القرآن الذي لو أنزله الله على الجبال الرواسي الشامخات لتصدعت من خشية الله، إذا به يقرأ، وآيات الوعد والوعيد تسمع، ولكن قلوب قاسية، وأبدان جامدة، وعيون متحجرة، فلا قلب يخشع، ولا بدن يخضع، ولا عين تدمع». وأضاف: «لقد هجر القرآن عملًا.. فإذا بالقرآن الذي هو منهاج حياة متكامل يصير في واقع الناس آيات تقرأ عند القبور، ويهدى ثوابها للأموات، أو تصنع منه التمائم والأحجبة تعلق على صدور الغلمان والصبيان، أو يوضع في البيوت والمحلات والسيارات للحفظ والبركة.. وهجر القرآن تحاكمًا وحل محله القانون الوضعي، وصارت أقوال الرجال تحكم في الدماء والأموال والأعراض». وانتقد القحطانى هجر القرآن استشفاءً وتداويًا ولجوء بعض الناس إلى السحرة والعرافين والدجالين يطلبون منهم الشفاء والدواء لأمراضهم داعيا الله تعالى أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همنا وغمنا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل، وأطراف النهار. لا يأتيه الباطل ومن جهته أوضح الدكتور سعيد محمد القضعان الداعية المعروف وعضو جمعية الكوثر الخيرية الاجتماعية أن القرآن الكريم كتاب الله تعالى، نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد, تكفل الله بحفظه وتعبدنا الله بتلاوته وتدبر آياته ومعانيه قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)،وجمع الله فيه خيري الدنيا والآخرة، من تمسك به نجا، ومن أعرض عنه هلك وغوى. وقال: «ولكن للأسف أصبح القرآن مهجورًا، وقل من يقرؤه ويتدبره, والكثير من الناس لا يقرأ القرآن إلا وقت الشدة والبلاء». تدبر القرآن أما الداعية الدكتور خالد المصلح فأوضح انه لا يوجد على وجه البسيطة كتاب يحرم هجره، ويجب تعاهده وتلاوته إلا القرآن الكريم، فإن هذا من خصائصه التي لا يشاركه فيها أي كتاب حيث أثنى الله عز وجل على الذين يتعاهدون كتاب ربهم بالتلاوة فقال: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) وحتى لا يقع الناس في هجران القرآن، أشار إلى أن العلماء بحثوا مسألة: في كم يقرأ القرآن، وقالوا: «يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يومًا لا يقرأ فيها القرآن». وأكد انه يحرم هجر العمل بالقرآن الكريم، لأن القرآن إنما نزل لتحليل حلاله وتحريم حرامه والوقوف عند حدوده، وانه لا يجوز ترك العمل بالقرآن، وإن العمل به هو المقصود الأهم والمطلوب الأعظم من إنزاله، مشيرا إلى أن القرآن الكريم هو دستور المسلمين، وهو الحكم فيما اختلفوا فيه من أمور دينهم ودنياهم، ولا يجوز هجره لابتغاء الحكم في غيره. وشدد المصلح على ان تدبر القرآن الكريم وتعقل معانيه مطلب شرعي، لقوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) وقال أيضًا: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وانتقد هجر الاستشفاء به والتداوي به في أمراض القلوب والأبدان حيث وردت نصوص كثيرة في أن القرآن الكريم شفاء، كقوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وقال: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ).