أصدرت مكتبة الإسكندرية أول ترجمة عربية كاملة لكتاب «مسألة الخلافة وجزيرة العرب» للشيخ أبي الكلام آزاد، وذلك في إطار مشروع إعادة إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلادي. ويُعتبر كتاب «مسألة الخلافة وجزيرة العرب»، من أهم مؤلفات الشيخ والعلامة الهندي أبي الكلام آزاد (1888م/ 1306 ه- 1958م/ 1377ه)، وطُبع لأول مرة باللغة الأردية عام (1338ه/ 1920م)، ويتناول واحدة من القضايا الكبرى التي شغلت بال المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين منذ بدايات القرن الماضي، ويقدم العديد من الأطروحات والمناقشات حولها، رابطاً بين مسألة الخلافة وقضايا الجامعة الإسلامية ومقاومة الاستعمار. وبالإضافة إلى مسالة الخلافة ركز المؤلف على أهمية بقاء الجزيرة العربية أرضاً إسلامية بحتة، بعيدة كُل البُعد عن سيطرة غير المسلمين لتوفر أساساً آخر لوحدة الأمة. ينقسم الكتاب إلى عدد من الموضوعات وهي الخلافة، والأئمة من قريش، وخلافة آل عثمان (لمحات تاريخية)، وواجب الدفاع عن الإسلام، والجزيرة العربية أو البلاد المقدسة. وتناول في موضوع الخلافة الأدلة التي تثبت وجوبا لإقامة مؤسسة الخلافة، وتحدث عن الخلافة على منهاج النبوة، ثم وضح الفرق بينها وبين الخلافة الملكية، وذكر أن شخص الخليفة في فترة الخلافة على منهاج النبوة كانت تجمع جميع المناصب الدينية والدنيوية على غرار ما تجمعت في شخص النبي- عليه الصلاة والسلام- وسُميت هذه الفترة بالخلافة على منهاج النبوة وكانت مظهراً للوحدة والوئام وهذا سر قوة الأمة وتقدمها، ولكن تفرقت المسئوليات والمراكز بعد خلافة علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وكان ذلك سبب التفرق والتشتت اللذين كانا سبباً في ضعف الأمة. كما تناول مسألة طاعة الإمام والخليفة، وقال ان الإسلام اوجب على كُل مسلم معرفة الإمام وطاعته ما لم يأمر بمعصية. وقد تناول المؤلف مسألة صحة خلافة العثمانيين من الأتراك، حيث انهم ليسوا من قريش وأن النبي قد اشترط القرشية للخلافة، فقد أوضح الشيخ أنه من المستحيل أن يحصر الإسلام الخلافة في أسرة أو قبيلة أو عرق، وأنه قد شاء لمحاربة تلك العصبيات المقيتة والقضاء عليها، فكيف يمكن ان يواجهها من جهة ويحييها من جهة أخرى عن طريق وضع شرط القرشية للخلافة. كذلك تحدث عن معنى الجهاد، وانه لا يقتصر على القتال في حالة هجوم الكفار على المسلمين، بل يكون ببذل كُل جهد يمكن لمسلم ان يبذله في الدفاع عن الإسلام وعن الأمة الإسلامية، سواء كان ذلك بماله أو وقته أو جهده، او لسانه، أو بتحمل مشقة في سبيل الله، حيث يعتبر كُل ذلك جهادًا في سبيل الله. وهذا الكتاب ضمن المشروع -الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية- ونبعت فكرته من الرؤية التي تتبناها المكتبة بشأن ضرورة المحافظة على التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة، والمساهمة في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة تأكيداً لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاري، كذلك المساهمة في إتاحة مصادر معرفية أصيلة وثرية لطلاب العلم و الثقافة داخل أوطاننا و خارجها، وأن تستنهض هذه الإسهامات همم الأجيال الجديدة كي تقدم اجتهاداتها في مواجهة التحديات التي تعيشها الأمة. ويعد اختيار القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين على وجه الخصوص رغبةً من المكتبة في تصحيح الانطباع السائد بأن الإسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون والعلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية قديمة، ولم تتجاوزها. وحيث الحقائق الموثقة تشير إلى غير ذلك، وتؤكد أن عطاء المفكرين المسلمين في الفكر النهضوي التنويري إنما هو تواصل عبر الأحقاب الزمنية المختلفة، بما في ذلك الحقبة الحديثة والمعاصرة التي تشمل القرنين الأخيرين.. يُذكر أن الكتاب من ترجمة وتقديم الباحث مصباح الله عبدالباقي.