إذا كان صبركم ينفد بشأن فوضى اليورو حول اليونان، فأنا أتفهم ذلك. مع ذلك، أريد أن ألفت انتباهكم إلى مقالين جديدين في هذا الموضوع، وهما مادتان مختصرتان وتستحقان منكم بعض الوقت. الأول يخبرك بكل ما تحتاج معرفته حول كيفية وصول أوروبا إلى هذه النقطة. أما الثاني فيخبرك بكل ما تحتاج معرفته حول ما يجب أن يحدث بعد ذلك. بطبيعة الحال، إذا كنت قد تابعت القصة منذ البداية فأنت تعرف أن ما ينبغي أن يحدث بعد ذلك لن يحدث. ويفسر كارل ويلان، أستاذ الاقتصاد في جامعة كلية دبلن، بوضوح لماذا يكون من الخطأ إلقاء اللوم على رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس وحزب سيريزا اليساري في حدوث هذه الفوضى، فهما لم يكونا في السلطة حين انغمست اليونان في فورة الاقتراض، أو بمعنى آخر فورة الإقراض في أوروبا. ومع حلول الوقت الذي ظهر فيه تسيبراس وحزبه على الساحة، أدت الأخطاء المتكررة والجسيمة في الحكم والتقدير من وزراء مالية الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي إلى تدمير الاقتصاد اليوناني. ولم يسمح قادة أوروبا لليونان بأن تصاب بالإعسار عن تسديد ديونها الخاصة حين كان السماح بحدوث ذلك في عام 2010 أمرا منطقيا، حيث كان من الممكن في ذلك الحين أن يكون الضرر أقل مما هو عليه الآن. بدلا من ذلك، قدمت القروض لليونان، بشروط، بحيث يمكن التسديد للمصارف في بقية أنحاء أوروبا لمدة سنتين إضافيتين. كانت النتيجة هي تدمير الاقتصاد اليوناني، وفي الوقت نفسه زيادة عبء الديون بشكل ضخم. ومع مرور الوقت، فإن تعثر الاقتصاد في ظل توجيه الدائنين كان من أهم العوامل في وصول تسيبراس وحزب سيريزا إلى السلطة. وبدلا من الاعتراف بتلك الأخطاء، ناهيك عن التعلم منها، تبدو المؤسسات الدائنة قانعة بأن تنظر بانزعاج وملل نحو تراجع وارتداد اليونان. كان لدى كريستين لاجارد، العضو المنتدب من مجلس الإدارة لدى صندوق النقد الدولي الجرأة أن تطلب أن يكون هناك «عقلاء في الغرفة»، كما لو أنها تجد أن كل هذه المفاوضات متعبة وأن صبرها بدأ ينفد. كما يلاحظ ويلان إلى حد ما: «يبدو أنها نسيت أنه كان من المفترض أن يكون صندوق النقد الدولي هو العاقل في اجتماع المناقشات حول اليونان ابتداء من عام 2010 حتى الآن، لكن بدلا من تبني واعتماد نهج متسق مع السياسات المعتادة للصندوق، قرر صندوق النقد الدولي الذي تقوده الدول الأوروبية أن الدول الأوروبية تستحق منحها فرصة أن تكون مثقلة بأعباء ديون مرتفعة بشكل خاص للقطاع الرسمي». كما تبين فيما بعد، فإن أوروبا لم تكتسب شيئا يذكر من نفوذها على قمة السلطة في صندوق النقد الدولي. ينبغي على بقية العالم أن يتعلم من الفشل الذريع في اليونان بأنه لم يعد يمكن الوثوق بالساسة الأوروبيين السابقين بقيادة هذه المؤسسة الهامة (الإشارة إلى لاجارد التي تولت عدة وزارات في فرنسا في السابق، منها وزارة المالية، ووزارة الشؤون الاقتصادية، ووزارة الزراعة، ووزارة التجارة). أما المقال الثاني فقد كتبه آشوكا مودي، أستاذ زائر في جامعة برينستون ومسؤول كبير سابق في صندوق النقد الدولي. في مقال سابق له نشرته بلومبيرج، شرح مودي الخطأ الذي ارتكبه الصندوق. وفي مقال جديد على موقع VoxEU، يعرض برنامجا لليونان بأنه ينبغي على الدائنين أن يستخلصوا الأفكار من أبحاث صندوق النقد الدولي المتعلقة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي. لبرنامج مودي المقترح ثلاثة عناصر. الأول: تخفيض الديون بنسبة 50 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحيث تستحق الدفع على مدى أكثر من 40 عاما. الثاني: تقليص وإعادة هيكلة النظام المصرفي المحلي. الثالث: إدارة أو تشغيل فائض ميزانية أولية صغير بنسبة 0.5 بالمائة على مدى السنوات الثلاث القادمة. «قد يقول البعض إن اليونان لا تعاني من التشبع بالديون (بمعنى أنها لا تستطيع استدانة مبالغ إضافية حتى تسدد جزءا من الديون الحالية). لكن بوجود أسعار فائدة منخفضة للغاية على ديونها الرسمية، نستطيع أن نجادل أن بإمكان اليونان سداد ديونها دون التضحية بالنمو والأهداف الاجتماعية المعقولة. لكن حتى في ظل حسابات الثلاثية -أي المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي- فإن الاستنتاج بأنه بإمكان اليونان تسديد ديونها بشكل مريح هو استنتاج صحيح فقط بناء على الافتراض بأن اليونان سوف تزيد من فوائضها الأولية. كانت مطالب الثلاثية في وقت سابق من هذا العام تكمن في تحقيق مستوى غير عادي في الفوائض الأولية، من رقم سالب ضئيل إلى أكثر من 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يقودنا إلى دراسة أخرى مختلفة لصندوق النقد الدولي، والتي يستشهد بها أيضا على نطاق واسع، حيث ترى أن التقشف المالي في اقتصاد متعثر (بدون نمو) يعد أمرا فاشلا يلغي نفسه بنفسه ويتناقض مع أهدافه. مع ذلك، هناك مقال آخر لصندوق النقد الدولي يقيم الدليل على أن الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، مهما كان مرغوبا بها على المدى الطويل، لا تعمل على تحسين الوضع في المالية العامة على المدى القصير. في الواقع، خلال فترة الكساد، يمكن لهذه الإصلاحات أن تجعل الأمور أسوأ من قبل. بالتالي، كما يمكن أن نتوقع جميعا، في إجراء المحادثات مع اليونان، عمل صندوق النقد الدولي على جعل الدائنين مصرين على مزيد من التقشف والإصلاحات الهيكلية. من الممكن بالتأكيد أن تكون كل تلك النتائج خاطئة. المغزى هو أنها نتائج خاصة بصندوق النقد الدولي الذي يعد عضوا في الثلاثية في المقام الأول بسبب خبرته المفترضة في تلك المسائل. على حد علمه، تعد سياسة الصندوق المتعلقة باليونان سياسة خاطئة. قد لا تكون الفجوة الآخذة بالاتساع داخل صندوق النقد الدولي بين المفاوضين والخبراء الاقتصاديين أكثر من مجرد مؤامرة فرعية مسلية في فشل اليونان الذريع المتكشف، لولا الضرر الذي أحدثه الدائنون فعليا، والمزيد من الضرر الذي يبدو أنهم عازمون على التسبب به قبل انتهاء هذا الموضوع. مما لا شك فيه أن تسيبراس مصدر خطر، لكنه لا يزال في بداياته. بحسب التقديرات المتحفظة، عمل الدائنون بكل فخر على إفشال وتخريب الأمور على مدى خمس سنوات. والآن نحن لا نستطيع التخلص من الإحساس بأن هذه الدراما، المستمرة منذ 5 سنوات، تشبه تعبيرا لشخصية أحد الممثلين في فلم من إخراج بيتر جاكسون: «حتى تحدث الأزمة المالية، فإنها تستغرق وقتا أطول بكثير مما تظن. ثم تحدث بسرعة تفوق كثيرا ما كنت تتوقعها. أشعر أنها قد استغرقت إلى الأبد لتقع ثم حدثت خلال ليلة واحدة». وإذا خرجت اليونان من منطقة اليورو، فماذا ستكون النتيجة؟ ستكون في الواقع قبيحة، بل وقبيحة جدا. إن مجرد طبع وتوزيع أوراق البنكنوت الجديدة (بعملة الدراخما) سيكون جحيما لوجستيا، لكن هذا سيكون أقل الهموم. كل شيء من حسابات البنوك إلى العقود سيتعين أن تعاد كتابته وتقويمه بالدراخما، وهذا سوف يكلف الناس سنوات كثيرة من الادخار، إلى جانب أنه سيحدث الاضطراب في نشاطات الشركات والأعمال. في رأيي أن أفضل سيناريو يمكن تصوره هو أن اليونان سوف تقع في ركود عميق للغاية ولكنه قصير نسبيا. ومَن الذي سيكون سعيدا في هذه الحالة؟ طبعا هم الناس الذين يريدون قضاء إجازاتهم على شواطئ الجزر اليونانية. لكن على هؤلاء أن يتذكروا أن المبالغ الرائعة التي استطاع هؤلاء السياح توفيرها ستأتي على حساب «تحويشة العمر» التي تبخرت من شخص ما في اليونان.