ثمة قلق حقيقي من تطور الروبورتات، فلو امتلكت هذه الآلات الذكية القدرة على تطوير ذاتها وحل مشكلاتها، وتمكنت من تحقيق استقلاليتها عن الإنسان، فكم هي احتمالية أن تطوّر التمرد عندها والقدرة على الخروج عن سيطرة الإنسان وخططه في الحياة، وكم هي احتمالية أن تسعى للسيطرة عليه وبناء مجدها وحضارتها الخاصة. يجب أن لا ننسى أن معدل التطور في أجهزة الحاسب الآلي أعلى بكثير من تطور العقل البشري. تناولت العديد من الأعمال الفنية السينمائية هذا المشهد الخيالي، وكان الكثيرون يظنون أنه محض خيال علمي مقلق ومشوق ولذيذ. لكن العالم الفيزيائي ستيفن هوكينج أبدى تخوفه من تطور الروبورتات، وقال إنه غير متفائل بمستقبلها، وأنها قد تشكّل كارثة للجنس البشري. ما الذي ينقص الروبورت حتى يكون إنسانا، الجواب المتداول هو الروح، إن الآلات مهما أودعت فيها من معلومات، ومهما أعطيتها القدرة على تحليلها، ستقف عاجزة أمام إظهار الحزن والحب والشعور بالفقد والعجز والقهر والإنجاز والفرح... إلخ، إنها ببساطة تتفوق على الإنسان في العقل الأداتي لكنها تقف عاجزة أمام المشاعر. لذلك هي تفتقد للروح. هناك أطروحة أخرى تحاول أن ترى (الروح) من زاويتها الواقعية، فالتجربة هي مؤدى الروح في الحياة. إن الحب بالنسبة لكل منا هو ثقافة الحب التي ولد عليها، وتجارب الحب التي مرّ وسمع بها ومارسها، إننا حين نخمّن أو نقرر أو نعتمد على حسّنا فإننا نعتمد على تجربة طويلة قد لا يستطيع العقل ترجمتها منطقيا، لكنه يشعر بناء على مواقف عديدة عبر سنوات طويلة أن الخير في كذا والشر في كذا. فماذا لو أننا حولنا هذه التجارب إلى ذاكرة رقمية، لو أودعنا كل تاريخنا وأفكارنا وتجاربنا وشعورنا ورؤيتنا وآرائنا.. لو أننا قمنا بإدخال كل ذلك إلى جهاز الحاسب الآلي ثم صمّمنا برنامجا يقوم بتحليله، هل من الممكن حينئذ أن يقوم بمعرفة ردة فعلنا تجاه أي موقف جديد، هل سيعرف ماذا سنفعل حين يموت قريب لنا، إنه يعرفنا تماما ويعرف شعور الفقد والحزن عندنا بناء على تاريخنا، ويعرف منزلة هذا الشخص في قلوبنا، فما الذي سيمنعه من أن يعرف تماما ماذا سنفعل حينها.تناول فيلم Transcendence من بطولة جون ديب هذا الموضوع بشكل بديع، حيث يصور عالما يبحث في تطوير الآلات الذكية، ويصاب بمرض قاتل، فيقرر أن يدخل كل تجاربه في الحياة في الحاسب الآلي ليقوم باستنساخ روحه التي ليست في الحياة سوى ذاكرة رقمية بعد أن يتم تحويلها إلى ذلك. وبالفعل تنجح العملية ويبدأ الصراع. كما يحاول أيضا المسلسل البريطاني Black Mirror في الحلقة الأولى من الموسم الثاني أن يصور هذه الفكرة، فبعد موت الزوج تقوم الزوجة باستنساخ آلة تودع فيها كل ما تملكه من معلومات عن زوجها، ويقوم هذا البرنامج باستقراء الانترنت والبحث عن كل ما يتعلق بالزوج وتحويل كل ذلك إلى ذاكرة رقمية وتحليلها ليقوم بمعرفة تصرفاته في المواقف اللاحقة. يبدو الأمر مخيفا ومشوقا، إننا نودع في الانترنت أكثر مما نودع في الحياة من كلام وصور وذكريات ورسائل وأسرار. ماذا لو جاء أحفادنا بعد عقود لتطوير آلات ذكية تشبهنا، بل حتى قادرة على النطق بنبرة أصواتنا، ومع تطور الطابعات ثلاثية الأبعاد سيصبح بمقدورها تجسيدنا. حسنا، هنا اعتراض يستحق التأمل، يرى الدكتور فيكتور فرانكل أن قوة الإنسان تكمن في قدرته على الاختيار، إنه قادر على أن يفاجئك دائما باختياره، يروي قصة طبيب في احد المعسكرات النازية، كان يلقب ب(قاتل شتاينوف بالجملة)، وكان فرانكل يلقبه ب (إبليس)، فحين بدأ النازيون في برنامج القتل الرحيم في مستشفى شتاينوف للأمراض العقلية، كان هذا الطبيب لا يدع مريضا ينجو من غرف الإعدام. لكن بعد أن تبدلت الأحوال وقع هذا الطبيب في أسر الروس، والتقى فرانكل بطبيب آخر زامله في سجنه، حدثه أن (قاتل شتاينوف بالجملة) مات في زنزانة في الأربعين من عمره بسبب سرطان المثانة، وفي سنوات السجن كان يقضي وقته وفق أسمى معيار أخلاقي يمكن تصوره، وكان منشغلا في تقديم السلوى والمواساة لزملائه. إننا أبناء تجربتنا هذا صحيح، لكن تجاربنا لا تفرض علينا الاختيار، بل هي تجعلنا أمام عالم لا محدود من الاختيارات. أكاديمي سعودي