يظهر علينا بين فينة وأخرى بعض المتطرفين ليوزعوا أحكامهم الجاهزة على خلق الله، ويوصموا من يختلف معهم في الرأي بالكفر، حتى أصبح التكفير ظاهرة متداولة ليس بين عامة الناس، ولكن بين من يدعون العلم، ويحملون لواءه، وهم يتسربلون برداء التطرف الذي طالما عانينا منه، ومن نتائجه الدامية، وفي مقدمة هذه النتائج الإرهاب الذي دفعت ثمنه أمة الإسلام، وجلب عليها من الدمار والخراب ما هو معلوم لدى الجميع، بل إن هذا الإرهاب قد أساء للمسلمين، وأتاح الفرصة لأعداء الأمة لكي يصموا الدين بما هو بريء منه، فليس الإسلام دين عنف وإرهاب، بل هو دين محبة وسلام وتفاهم بين القبائل والشعوب، بين الأمم والدول، إنه دين لا يقبل المتطرفين وإرهابهم، ولا يقبل المتشددين وعنفهم، ولا يرضى برفضهم لكل من يختلف معهم في الرأي حول بعض المسائل الفقهية القابلة للجدل في الإطار الذي تفرضه الشريعة السمحاء والتي لم تسم يوما بالشريعة المتشددة، بل هي دوما الشريعة السمحاء، القابلة للتطبيق في كل العصور وفي كل الأمم، وبهذا التطرف والتشدد لا يمكن أن يظهر الوجه الحقيقي للإسلام، بكل ما فيه من سلام، وبكل ما يوصي به من المحبة، وبكل ما يدعو إليه من الخلق الكريم، ألم يقل النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق)، فأخلاق المسلم لا تسمح لا بالتكفير ولا بالسخرية من العلماء، وهذا أمر يعرفه كل مسلم صادق الإيمان. والمقابل هناك الشتم والسخرية من علماء الأمة المعتدلين الذين يرفضون كل ما يعرض البلاد والعباد للخطر، أو يزعزع أمن المجتمع، أو يسيء إلى الدين بشكل مباشر أو غير مباشر، وتعرض هؤلاء العلماء الأفاضل لأي نوع من أنواع السخرية أمر مرفوض جملة وتفصيلا، فعلماء الأمة هم حاملو مشعل التنوير فيها، وهم مرجع المسلمين في أمور دينهم، وفي أفيائهم تستظل الناشئة، وتسترشد بعلمهم، وتهتدي بتوجيهاتهم، وعندما نقول علماء الأمة فإنما نعني هؤلاء الذين كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا، وإذا كان العرف والشرع يمنعان السخرية مع عامة الناس، فكيف هو الحال بالنسبة لعلماء الأمة، وقادة التوجيه والإرشاد بين أبنائها، وما هم سوى بشر يحق عليهم ما يحق على غيرهم من الخطأ والصواب، وما يميزهم عن غيرهم هو أن الله منّ عليهم بالعلم، وأنزلهم منزلة يستحقون بها كل التقدير والاحترام، ولا أقول التقديس كما تفعل بعض الفرق المشبوهة عن جهل، والقدسية لله وحده دون سواه.. العلماء لا يليق التطاول عليهم، ومن يتجاوز حدوده منهم فأمر محاسبته متروك لولي الأمر، دون أن يمنحهم ذلك حصانة مطلقة تمنع من الحوار معهم وتوضيح خطأ من يخطئ منهم، ولكن في إطار التقدير والاحترام، فهذا من واجب المتعلم تجاه العالم، وأمة لا تحترم علماءها لا يمكن أن تتقدم قيد أنملة في درب الحضارة الطويل، بل ان هذا الأمر يجرها إلى الخلف، ويصرفها عن التفكير في مستقبلها، وما هو مؤمل في هذا المستقبل من تطور وازدهار. إذا كان التكفير الذي يقوم به المتطرفون في الدين وهم ليسوا علماء بمعنى الكلمة، لأن العالم لا يقع في مثل هذه الخطيئة، ولكنهم متعالمون، اختطفوا منابر الخطابة دون أن يكونوا أهلا للوقوف عليها، أقول إذا كان هذا التكفير مرفوضا عرفا وشرعا، فإن شتم العلماء أو السخرية منهم أو التقليل من شأنهم مرفوض أيضا جملة وتفصيلا، فإن أخطأ متعالم في الدين فلا ننسى أنه متعالم، ربما يظن نفسه مجتهدا فأخطأ الطريق، هذا كله ليس مدعاة للسخرية من العلماء أو الإساءة إليهم، فالدين لا يختصر في رجل متعالم أو حتى عالم، لأن هذا يتنافى مع رسالته التي تعني كل المسلمين، فلا رهبانية في الإسلام تتيح لفرد دون سواه احتكار الدين، وإذا اتاحت تقنية العصر لبعض الموتورين من التكفيريين أو الساخرين من علماء الأمة، أقول إذا أتاحت تقنيات العصر لهؤلاء فرصة الهروب من وجه العدالة في الدنيا، فإن عدالة السماء لهم بالمرصاد، يوم لا ينفعهم إلا العمل الصالح، فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم.