منذُ ولادتي لم أعرف وزيراً للخارجية سوى الأمير سعود الفيصل، رجلاً خدم بلاده منذُ40 سنة وترجل العمل السياسي وعمره 75 عاماً، وبذلك يكون قضى أكثر من نصف عمره بالعمل السياسي والدبلوماسي في خدمة وطنه، رجلاً لمع نجمه في السياسة الخارجية، الأمير، الوزير، والطالب المجتهد،تخرج من إحدى أعرق جامعات العالم، جامعة برنستون عام 1963م ثم التحق بوزارة البترول والثروة المعدنية مستشارا اقتصاديا وعضوا في لجنة التنسيق العليا التابعة لها، وبدأ العمل الدبلوماسي رسميا حين تسلم مهام وزارة الخارجية في عام 1975 حين صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيراً للخارجية بعد شغور المنصب بوفاة والده الملك فيصل رحمه الله، الذي كان وزيراً للخارجية وهو ملك على البلاد، ووصفه أبناء شعبة بالداهية لحنكته وقراءته الجيدة للمشهد السياسي وخبايا المؤامرات والتحالفات التي تدار من تحت الطاولة. وكما عُرف سعود الفيصل في المؤتمرات الصحفية بإجابات لا يتوقعها الإعلاميون أو بالأصح بما يجب أن يقال فصراحته دبلوماسية وكما أن دبلوماسيته خارطة طريق، يتحدث مجيبا على أسئلة الصحافيين فيتصدر حديثه أولى الصفحات حتى حصد إعجاب المهتمين بالسياسة ودهاليزها من مختلف الأجيال وتنامت شعبيته عاماً بعد عام، واستمر وزيرا للخارجية وحتى بعد أن طلب إعفاءه من منصبه لظروفه الصحية، لكن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لم يتخل عنه وعن رؤيته وخبرته، فعينه مشرفا على الشؤون الخارجية إلى جانب تعيينه عضوا بمجلس الوزراء. ومما يتصف فيه هذا الوزير الفريد من نوعه لم يكن مضطرا لتعلم لغات متعددة، فبإمكانه الاستعانة بالمترجمين والمستشارين، لكن لفهم سياسات أي قوم فمن المهم معرفة لغة حديثهم، وهو ما حدث بالفعل فهو يتحدث أكثر مم 6 لغات، وفي المؤتمرات الصحافية، يجيب باللغة التي يسأل بها، دون استعانة بمترجم فوري، وكما عرف عنه أنهُ عاشق للعمل فلا يعرف الكلل ولا الملل، حتى وهو على فراش المرض وقبل ثلاثة أعوام ظهر في إحدى جلسات الأممالمتحدة وهو يلف حول عنقه ربطة طبية وجبيرة بعد خروجه من المستشفى مباشرة فلم يضطر لأخذ إجازة مرضية بل توجه إلى القاعة للعمل ليكون ممثلاً لوطنه ومتحدثاً باسمها. وكان آخر خطاب ألقاه أمام مجلس الشورى بجلسته الأسبوعية بدأ حديثة بدعابة حين قال : "أستميحكم عذراً أن أكون بينكم وأنا لا أزال في طور النقاهة إثر عمليه جراحية كانت حالتي فيها أشبه بحال أمتنا" هذا الفؤاد النابض بالقضايا العربية والوحدة الإقليمية أكسب الفيصل مكانة خاصة في قلوب ملايين العرب، الذين يبادلونه الاحترام والتقدير في عدة محافل، الأمر الذي أثار اهتمام وكالات الأنباء العالمية بخبر ترجل الفيصل عن منصبه، ورغم سنوات العطاء الطويلة التي قدمها الفيصل فإن ترجله من وزارة الخارجية لم يكن بالأمر السهل، خاصة وأنه يأتي نتيجة الظروف الصحية التي يمر بها، وقال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أثناء قبول خطاب الإعفاء: " يعلم الله أن تحقيق طلب سموكم من أصعب الأمور علينا وأثقلها على أنفسنا" وختاماً... شكراً سمو الأمير سعود الفيصل سيد الدبلوماسية وصاحب الرأي السديد والكلمة المسموعة.