ندرك أن رمضان من أعظم الشهور عند الله -تعالى-، وأن له خصوصيته، وفضله ومكانته؛ لذا فإن انتزاع روحانية هذا الشهر، وسلب قدسيته، وإلهاء الناس عن تعظيمه؛ لهو أشد جريمة وأعظم كبيرة! في كل رمضان تتسابق الفضائيات العربية على عرض مسلسلاتها، كل قناة تحشد أموالها، وإعلاناتها؛ للبحث عن نسب المشاهدة التي تجلب الرعاة والمعلنين، لكن المؤسف أن تلك الأعمال تقدم دون أدنى اعتبار للمسؤولية المجتمعية، فقد غابت المسلسلات الهادفة، وحلت مكانها مسلسلات هابطة تهدم ولا تبني! للدكتور مالك الأحمد -المتخصص في الإعلام- دراسة عن مضامين وانحرافات المسلسلات في إحدى القنوات، حيث بينت هذه الدراسة العديد من السلبيات التي تنشرها المسلسلات نحو: عرض بيئات أجنبية فاسدة، وتحبيب نمط العيش على تلك الطريقة، مقدمات الفاحشة في المسلسلات كمشاهد التقبيل، ظهور لقطات التدخين والخمور بحيث يتناول الخمر كتناول العصي، اللباس الضيق، والتعري الواضح من الممثلات، تحبيب العلاقة بين المرأة والرجل خارج إطار الزواج والتشجيع عليها، والتشنيع على من ليس له خليلة! تقديم السحر كقوة خارقة ومحمودة، صناعة نجوم من الفنانين لا يمثلون أي مستوى حقيقي للفن، مما يساهم في تسطيح الفكر! من المسؤول عما تقدمه هذه الفضائيات من مسلسلات هادمة تتلاعب بالقيم والأخلاق؟ وما دور مؤسسات المجتمع المدني، وما دور الحكومات تجاهها؟ هذه القنوات وبهذه الأعمال ضررها أكبر من نفعها، وهدف مموليها ومنتجيها تمزيق قيم المجتمع والفضيلة بالترفيه غير البريء، وتمييع أخلاقيات المجتمع، وجمع الأموال من خلال الإعلانات حتى ولو على حساب الدين والأخلاق! من الصعوبة أن تطالب بالحجر على هذه القنوات فتلك أموالها، وهي حرة في إدارتها، لكن من واجب الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، ألاَّ تترك المال بأيدي "شلة" تعبث في دين وأخلاقيات شعوبها؛ بل عليها أن تمارس دورها في حماية المجتمع بالطرق المناسبة التي لا تتعارض مع حرية الإعلام المنضبطة! والمملكة -بلد الحرمين ومهبط الوحي- قادرة على إدارة هذا الملَف وضبطه، لا سيما أنّ ما تنشره تلك الفضائيات من تجاوزات دينية وأخلاقية أحد المبررات التي يستغلها دعاة فكر الإرهاب والتطرف للترويج لمعتقداتهم! وأختم بما كتبته في مقال قديم: الدراما الهابطة التي تعرضها القنوات الفضائية هدفها حرب قيم الفضيلة، وإلهاء الناس عن الفضيلة، فهم يريدون منا شيئاً والله تعالى يريد منا شيئاً.. قال تعالى: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا». المدرسة الرمضانية.. رمضان فرصة لأن نغسل خطايانا ونصحح أخطاءنا.. فرصة لأن نفعل الخير مهما كان.. فرصة لأن نقتنص الطاعات.. رمضان فرصة للنجاح الدنيوي والأخروي، والمحروم من رسب فيه وفشل أن يتجاوزه ولذا جاء في الحديث: «رغم أنف امرئ أدركه رمضان فلم يغفر له». ولكم تحياتي مهتم بالشأن الثقافي والاجتماعي