قال المحلل السياسي اليمني البارز "رشاد علي الشرعبي"، إن اليمن يسير نحو "وضع سيّئ إن لم يتم تداركه سريعا بخطوات أخرى شبيهة بخطوة عاصفة الحزم وبعدها إعادة الأمل". وتابع في حوار مع "اليوم": الحوثيون وحليفهم صالح حتى وإن أعلنوا رضوخهم لأي حلول سلمية فإنهم لا ينفذون على أرض الواقع إلا ما يتناقض معها. وأشار الشرعبي إلى أنه "قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 كان في مدينة صنعاء وغيرها 150 ألف نازح من أبناء صعدة من إجمالي 700 ألف نسمة هو عدد سكان المحافظة". وتاليا نص الحوار: ما قراءتك للمشهد السياسي في اليمن؟ * المشهد في اليمن متسارعة أحداثه بشكل غير معقول، وكلما يبني المراقب تصورا له ويضع سيناريوهات لما قد يكون، يجد أن المشهد قد انقلب رأسا على عقب خلال يومين أو أسبوع بالكثير، وتغيرت المعطيات واختلفت المؤشرات وتدافعت المعلومات والمواقف والتطورات على الأرض، ما يجبرك على تغيير وجهة نظرك وتعديل تصوراتك والسيناريوهات التي كنت قد بنيت توقعاتك لها. بالمختصر، فاليمن يسير نحو وضع سيّئ إن لم يتم تداركه سريعا بخطوات أخرى شبيهة بخطوة عاصفة الحزم، وبعدها إعادة الأمل التي أقدم عليها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، ومثلما كانت اليمن تكاد تسلم لقمة سهلة لدولة غير عربية وتتربص بدول المنطقة والأمن القومي العربي وهي إيران، تكاد تكرر التدخلات الخارجية نفسها بتواطؤ غربي، كما يبدو تتصدره الأممالمتحدة، وأتحدث هنا عن اليمن ليس فقط أصل العرب تاريخيا، بل كدولة وفق المعايير الحديثة بما لها من أهمية استراتيجية للأمة العربية وموقع متميز في جنوب الجزيرة وعلى البحرين العربي والأحمر وبينهما مضيق باب المندب، وأيضاً ممر التجارة الدولية وأهمها غالبية صادرات النفط من الخليج العربي. واليمن حاليا بحاجة لتدخل عربي لحسم الأوضاع بشكل عاجل بما من شأنه تمكين السلطة الشرعية المتواجدة بالرياض أغلب قياداتها لاستعادة الدولة والسيطرة على الأرض ولو في غالبية أجزائها، فالوضع الإنساني الكارثي للشعب يزداد سوءا وهو ما تتعايش على البقاء من خلاله مليشيا صالح والحوثي الانقلابية وتستمد مزيدا من الحياة وطول العمر رغم الضربات الجوية المستمرة لمخازن السلاح والتجمعات، لكنها مع غياب القيادة على الأرض وضعف التسليح والتنسيق والتدريب للحامل الشعبي للشرعية ممثلا بالجيش المؤيد لهادي والمقاومة الشعبية المتناثرة في مختلف المناطق والتي تعمل بدون رؤية موحدة وتنسيق للجهود للتسريع بالقضاء على هذه المليشيا التي تزيد معاناة أبناء الشعب بمحاصرته من خلال الحرمان من المشتقات النفطية وقطع الكهرباء والمواد الغذائية والخدمات الطبية ومياه الشرب. هل تتوقع رضوخ جماعة الحوثي للمبادرات السياسية؟ * جماعة الحوثي تناور كعادتها وتظهر رغبة بالحلول السياسية، لكن بما يحقق اشتراطاتها هي على حساب إرادة الشعب اليمني وحتى على حساب قرارات مجلس الأمن وخاصة القرار الأخير، غير أني أعتقد أن هناك تواطؤا خارجيا، ولا أقصد دعم ورعاية دولة إيران باعتبار الحوثيين مجرد أداة لها ووكلاء مثلهم مثل حزب الله في لبنان ونظام الأسد في سوريا، بل أقصد هنا التحالف الروسي الغربي المستتر على حساب الأمة العربية عموما وفي الصدارة اليمن وقبلها سوريا وفلسطين والعراق، وأيضاً تبدو الأممالمتحدة وهي تتحدث عن حوارات بلا أي شروط مسبقة بعد الدور المشرعن للانقلاب الحوثي وحليفه صالح والذي بدا واضحا من خلال أداء المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر، لم يتغير حال الأممالمتحدة بعد تغيير بن عمر، ورغم أن جماعة الحوثي وزعيمها أعلنوا صراحة أكثر مرة عدم اعترافهم بالأممالمتحدة وقراراتها، وكذلك مجلس الأمن، لكن ما نلحظه هو أن الأممالمتحدة تُمارس معهم ليس فقط الانحياز بل تتعامل معهم بطريقة أقرب إلى التدليل كابن مشاغب، ولا تهتم لتنفيذ قرارات مجلس الأمن والمواعيد التي حددها وكان موقفها ذلك واضحا حين تم تحديد مؤتمر في جنيف الشهر الماضي، والتصريحات التي سبقت ذلك وعقبته بشأن الموعد الجديد، والتي تتحدث عن مفاوضات دون اشتراطات مسبقة وعن أطراف تتصارع، غير عابئة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي تم برعايتها ذاتها. وكيل إيران في اليمن، يشعر بالخطر، ما مصير عناصره بعد تقهقر قواته في أغلب مدن اليمن؟ * للأسف الشديد، إنهم أصروا على الذهاب إلى مربع قد يكون لا رجوع عنه بإصرارهم على جر اليمنيين إلى معركة عبثية يقتل فيها اليمني أخاه اليمني، تحت لافتات متعددة ومتناقضة وزائفة بدأت بمبرر الدفاع عن النفس في مواجهة قوات الحكومة في عهد حليفهم الحالي الرئيس السابق علي صالح، إلى الدفاع عن الهوية والمذهب ثم مواجهة التكفيريين الأجانب وبعدها التكفيريين اليمنيين ثم الفاسدين وإسقاط الجرعة واستمرت هذه اللافتات في معاركهم، ومع ذلك كانت مواجهة أمريكا وإسرائيل هي الحاضر الأكبر في معركتهم ومن خلال شعارهم وما يعرف ب"الصرمة" فيما هم يقتلون إخوانهم اليمنيين ويدمرون بلدهم اليمن ولم يَصْب أمريكا وإسرائيل اي أذى، بل يمكن أن إسرائيل هي المستفيد من كل ذلك. والحوثيون وأتباع صالح هم من أبناء اليمن، وإخوان لنا بغوا علينا ونتمنى أن يتراجعوا عن بغيهم وعدوانهم ويعودوا مواطنين صالحين مثلهم مثل غيرهم من اليمنيين، ولا يدعون اصطفاء إلهيا أو تميزا عرقيا أو جغرافيا، وان يمارسوا حقوقهم ويؤدوا واجباتهم كمواطنين ويتحولوا إلى حزب سياسي بعد التخلي عن السلاح وحل المليشيا وإعادة سلاح الدولة إلى مؤسساتها الشرعية، وهذا هو المفترض أو لن يتوقف القتل والقتل الآخر، والفعل ورد الفعل والإقصاء لبعضنا البعض، أتمنى حالا أن يعودوا إلى رشدهم ويتخلوا عن السلاح ويتراجعوا عن قتل أبناء وطنهم ويكفوا عن تدمير ما تبقى لهم من وطن، فمن يقتلون بأيديهم يمنيون ومن يقتل منهم يمنيون كذلك. كيف ترى اشتعال المقاومة ضد الحوثي في أغلب مدن اليمن بينها محافظة ذمار التي تعد أحد أهم معاقل الجماعة؟ * بعد تدمير عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل للترسانة العسكرية الضخمة التي كانت تابعة للدولة وتحت سيطرة الرئيس السابق ونجله ووضعها تحت تصرف جماعة الحوثي ومن ورائهما إيران ومتربصون باليمن من أعداء الأمة العربية عموما، وتدمير ما دعمت به إيران من أسلحة ومنظومة اتصالات وغيره، وتصاعد الجرائم من قبل مليشيا جماعة الحوثي وحليفها صالح والمعارك العبثية التي تخوضها بصورة فجة في تعز والجنوب والشرق والوسط، أعتقد أنه من الطبيعي أن تنتفض القبائل وقوى الشعب المختلفة والفاعلة وكل أبناء الشعب اليمني ضد هذه الجماعة الباغية والانقلابية، وليس صحيحا أن ذمار معقل للجماعة أو حتى صعدة، فهناك مواطنون كثر مغلوبون على أمرهم، وهناك فتيان ومراهقون مخدوعون ومغرر بهم يدفعون للموت أو قتل إخوانهم اليمنيين بعد غسل أدمغتهم، وللعلم فقبل سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 كان في صنعاء وغيرها 150 ألف نازح من أبناء صعدة من إجمالي 700 ألف نسمة هو عدد سكان المحافظة، وغيرهم عشرات الآلاف في صعدة الذين ليسوا مؤيدين للجماعة، لكن القوة وغياب الدولة التي تحمي مواطنيها هو سبب سيطرة الجماعة ورضوخ مواطني صعدة وغيرها من محافظات اليمن. ماذا عن القبائل اليمنية، هل ستستمر في دعمها للحوثي؟ * كما يبدو فإن القبائل التي تقف في صف الحوثيين هي القبائل التي نخرها صالح وتغلغل فيها وفتتها وسلمها بطريقة أو بأخرى للحوثيين وبقيت أجزاء من تلك القبائل أو بعض القبائل تقف في صفهم وحليفهم وخاضت معارك شرسة معهم أو انحنت للعاصفة وتنتظر دورها، لم تعد القبيلة اليمنية تلك الوحدة الواحدة كما في السابق فقد تم تفتيتها إلى أجزاء وصناعة قيادات وشيوخ متعددة لها، ولذلك سهل قيادها والسيطرة عليها، وأعتقد أن من تأخر منها الآن، فهو لا يزال ينتظر الفرصة لينتفض أو القيادة التي تمسك بزمام المبادرة. التحالف بين الحوثي وصالح، إلى أي مدى سيصمد؟ * هناك قاعدة تقول ما بني على باطل فهو باطل، ولذلك تحالف صالح والحوثي انبنى على أهداف غير وطنية وعلى مصالح غير وطنية وغير إنسانية حتى، وهو آيل للزوال بكل تأكيد، وصالح هو مجرد شخص وأسرة ارتبطت بمصالح مع نافذين ومسئولين، وبنت جيشا وحزبا بصورة غير وطنية، وإنما لمصلحة الشخص والنظام وهو حاليا في رمقه الأخير ويضمحل باستمرار وسيأتي الوقت الذي نجد صالح يقف وحيدا إن كان بقي له من العمر وسيتولى عنه حتى أقرب الناس إليه من أسرته، فيما جماعة الحوثي قامت على أساس مشروع سلالي عنصري ارتبط بدولة خارجية واعتمد على القوة وبانتهاء القوة انتهى المشروع، وليس أمام منتسبي الجماعة من فرصة سوى العودة للصواب والذوبان في إطار وطن وشعب بالإمكان ان يحتضنهم كمواطنين يمنيين وليس عملاء لإيران او متميزين بالعرق والسلالة والمذهب والجغرافيا. على ماذا يراهن الحوثي الآن؟ * الحوثي يراهن على إيران ولوبي دولي داعم حتى إعلاميا، وعبر الأممالمتحدة، ويراهن على استدامة معاناة الشعب اليمني جراء الحصار المضروب عليه في أساسيات الحياة وضعف تسليح المقاومة والجيش المؤيد للشرعية وبقاء القيادة بعيدة عن الأرض. والواقع الآن يسير لصالح قوات الشرعية والمقاومة، في المقبل إنهاك لقوات الحوثي، هل تتوقع استسلام تلك القوات في المناطق الجنوبية؟ والحوثيون وحليفهم صالح يعملون على تحسين شروط التفاوض باستمرار سيطرتهم السطحية وبقوة القتل والسلاح والحصار على الأرض في غالبية اليمن وفي المقدمة الجنوب والشرق والوسط، ولو وجدت القيادة وتوفر السلاح وخف الحصار والمعاناة الشعبية مع تقطيع خطوط الإمداد للمليشيا بتحرك غالبية المحافظات بقبائلها ومقاومتها الشعبية مع التحرك للانقضاض عليها في منطقة إدارتها صعدة وعمران وصنعاء العاصمة والمحافظة وربما حجة فإن المليشيا منهزمة لا محالة في الشمال والجنوب والشرق والغرب.