أصبح التاريخ سلاحا في معركة روسيا مع الغرب بسبب أوكرانيا ويعول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على بطولات الماضي لتأجيج المشاعر الوطنية وكسب مزيد من التأييد. في الشهر الماضي أقيمت احتفالات باذخة في ذكرى هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية وأدلى بوتين بالعديد من التصريحات في هذا الصدد وطبعت كتب مدرسية جديدة تؤرخ من منظور جديد في خطوات تبرز جميعها ما يصفه بعض المؤرخين المستقلين بأنه روايات تحرف الماضي أو على الأقل تعيد كتابته. فالاتفاق النازي السوفيتي الذي قسم بولندا عام 1939 ومنح موسكو السيطرة على معظم أراضي المنطقة التي أصبحت فيما أوكرانياوروسيا البيضاء ودول البلطيق بات ينظر إليه من منظور إيجابي الآن. وأمكن إيجاد ذريعة جديدة للغزو الذي قاده السوفيت لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 كما تم التخفيف من حدة بعض من أبشع الجرائم التي ارتكبت في عهد الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين. "هذه وقفة قوية في الجدال الدائر حول التاريخ".. هكذا وصف ألكسي ميلر أستاذ التاريخ بالجامعة الأوروبية في سان بطرسبرج ما يحدث قائلا إن كل الأطراف تشوه الماضي. وأضاف "التاريخ ضحية الأزمة الحالية في العلاقات بين روسيا وأوروبا." ومضى ميلر قائلا إن "حروب ذاكرة" اندلعت بين روسيا والغرب وجيرانها من الجمهوريات السوفيتية السابقة كدول البلطيق وأوكرانيا حيث يزداد تفسير التاريخ بمناظير مختلفة كل يناسب غرضه السياسي. وأظهر بوتين الذي ينفي اتهامات الغرب بإرسال قوات وأسلحة للانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا أنه يدرك جيدا قوة التاريخ. وربما لا يكون هذا مستغربا على رجل نشأ في الاتحاد السوفيتي الذي سخر التاريخ لتمجيد الشيوعية وتشويه الغرب وشجب "أعداء الشعب". قال بوتين في لقاء جمعه بمجموعة من المؤرخين في نوفمبر تشرين الثاني الماضي "عندما نظهر أننا على حق وأن أعمالنا تفيد المجتمع والدولة والشعب... سيظهر ملايين من المؤيدين لنا." أبدى اهتمامه الشديد أيضا بالكتب المدرسية الجديدة التي تصف نجاحه في "ضمان وحدة المجتمع واتساقه" في الداخل و"الدفاع المستمر عن المصالح الوطنية" في الخارج. ويتعلم الأطفال في روسيا أيضا من خلال الكتب المدرسية الجديدة كيف أن زعماء السوفيت وأسلافهم القياصرة دافعوا باستماتة عن روسيا أمام اعتداءات الغرب ومكائده. وتظهر الكتب المدرسية كيف أن اتفاق 1939 الذي قسم بولندا كان رد فعل مبررا لسياسات الغرب التي كانت تشجع الزعيم النازي أدولف هتلر على مهاجمة الاتحاد السوفيتي. ودافع بوتين عن الاتفاق في مرات عديدة إحداها عندما زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل روسيا في مايو آيار الماضي حين قال إن الاتفاق كان لازما للدفاع عن الأمن القومي للاتحاد السوفيتي. أما أجهزة الإعلام الرسمية فسلاح مهم في الحرب الإعلامية الروسية مع أوكرانيا والغرب الذي فرض على موسكو عقوبات اقتصادية بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم الأوكرانية العام الماضي. كما أنها أيضا جزء من المعركة على سجل الماضي. وبثت قناة روسيا-1 التلفزيونية فيلما وثائقيا في 23 مايو أيار يعطي تفسيرا جديدا لقيام جيوش حلف وارسو بغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968 حين كانت جزءا من الكتلة السوفيتية وسحق ربيع براج الذي كان يهدف لإقامة "اشتراكية ذات وجه إنساني". واستشهدت القناة بوثائق قالت إنها اكتشفت حديثا وقالت إن الغزو كان يهدف لحماية البلاد من انقلاب بدعم من حلف شمال الأطلسي كان يجري التخطيط له من وراء ستار ربيع براج. وقال مسؤولون تشيك وسلوفاك إن الفيلم شوه الحقائق. وقالت وزارة الخارجية السلوفاكية إن سلوفاكيا "ترفض كل محاولات إعادة كتابة التاريخ." وخلال الأزمة الأوكرانية رسمت موسكو صورة للروس الأصليين أو الناطقين باللغة الروسية الذين يعيشون في الجمهورية السوفيتية السابقة وكيف أنهم مهددون من قبل الفاشيين. وأقرت روسيا قانونا يجرم "إعادة تأهيل النازية" ويعاقب المتهمين بها بالسجن لما يصل إلى ثلاث سنوات. وجذب القانون الانتباه عندما فتح المحققون قضية المتهم فيها صبي عمره 16 عاما كتب تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي قالوا إنها تمتدح غزو ألمانيا النازية لبولندا عام 1939. كما استخدمت السلطات القانون لفتح قضايا جنائية مع أشخاص اتهموا بتخريب معالم تذكارية سوفيتية بما فيها معالم في أوكرانيا. وتختلف القوانين الروسية أيضا عن قوانين مشابهة في دول أخرى إذ تجرم "النشر المتعمد لمعلومات كاذبة عن أنشطة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في الحرب العالمية الثانية."