لا أدري بمجرد أن هممت بكتابة هذا المقال عن الشهداء الأربعة الذين سقطوا دفاعا عن المصلين في مسجد الإمام الحسين في حي العنود بالدمام، في جريمة إرهابية هي الثانية خلال أسبوع تضرب الوطن، فبمجرد أن هممت تذكرت ما كتبه عباس محمود العقاد في كتابه «الحسين بن علي أبو الشهداء». فالعقاد في ذلك الكتاب الذي قرأته قبل قرابة أكثر من خمس عشرة سنة، من ضمن ما قاله عن الشهادة ومدى ما تشكله في حياة البشرية من بوابة خلود وحياة حقيقية «لا بقاء للإنسانية بغير الاستشهاد. فالشهادة خصم ضعيف مغلوب في اليوم والأسبوع والعام. ولكنها أقوى الخصوم الغالبين في الجيل والأجيال ومدى الأيام. لأنه (الشهيد) يعمل للدوام وينظر إلى الخلود». من هنا يكون الشهداء الأربعة الذين سقطوا في الجمعة الماضية دفاعا عن المصلين في عملية بطولية سوف تتذكرها الأجيال، بل كل من سقط شهيدا دفاعا عن هذا الوطن على مساحته الممتدة من أقصى الجنوب إلى الشمال، هم من شكلوا التحدي الحقيقي في وجه ذلك الإرهاب الذي جاء ليرهبهم فاكتشف أنهم له بالمرصاد، بل يقفون في وجهه حتى ولو كان ذلك بصدورهم العارية، لهذا أجزم بأن رفاق ذلك الإرهابي الذين جهزوا ضحيتهم لينفذ جريمته في بيت من بيوت الله عاشوا يومهم الذي أحبط فيه، شبابنا الأربعة «عبدالجليل الأربش ومحمد الأربش ومحمد العيسى وعبدالهادي الهاشم» تلك العملية الغادرة في حزن هو أسود من الليل، وضرب في الصميم الهدف الذي راهنوا عليه في بث الرعب والخوف في صفوف أبناء الوطن، لنجد الرعب يتلبس ضحيتهم، الإرهابي الذي جاء متسترا في لباس النساء!. فهل وجدتم في تاريخ الإنسانية بطلا من الأبطال تستر في لباس النساء؟!. بل خجل منه رفقاؤه بعد أن ضحوا به من أن يذكروا اسمه الصريح!، أي شجاعة هذه.!!. دلوني على عبارة يمكن أن نصف بها فعلهم، غير الخسة والدناءة والغدر والجبن وقبل ذلك الهروب من مواجهة الرجال والتجرد من قيم الإنسان، في مقابل العزة والإباء والبطولة للشهداء الذين كانوا لهم بالمرصاد. فشهداؤنا بمجرد أن أعلن عن شهادتهم، كان الوطن كل الوطن محتفيا بهم من أقصى شماله إلى جنوبه، ومن أقصى شرقه إلى غربه، بل وجدنا حتى من هم خارج الوطن من الدول الشقيقة والصديقة من شاركونا هذا العرس الوطني. وذلك لأنها الشهادة بوابة الإنسان بتعدد قيمه ومذاهبه، فالشهيد رمز للإنسان، لهذا لم يكن مستغربا كل هذا التعاطف من كل إنسان أيا كان انتماؤه ووطنه. لنذكر ذلك الإرهابي إن كان عربيا!، بتاريخ العربي الذين كان يقف معرفا بنفسه في أي معركة يخوضها. لهذا نقول للإرهابيين كونوا عربا، إن لم يكن لديكم دين يردعكم عن قبيح فعلكم. ولكنه الإرهاب الذي يتجرد فيه كل منتم إليه من كل قيم الإنسان. فهزيمتكم هي من ذاتكم وفي ذاتكم، لهذا نقول لكم لن تخيفونا مهما كان حجم جرمكم لأن نهايتكم الهزيمة والسقوط في مزبلة التاريخ. لهذا كانت الجمعة الماضية لحظة تاريخية، برغم الحزن الذي خيم علينا بسبب فقدنا كوكبة من شبابنا، ولكن سرعان ما تذكرنا أن للبطولة والشهادة حياة لا تقاس بحساب الأيام والسنوات، إنها معنى الحياة الحقيقي الذي لا يندرس مهما تعاقبت السنوات والحقب، بل يتجذر في النفوس أكثر، شاهدا على أسمى معاني الإنسان. * كاتب وإعلامي