في الدالوة، وبعدَ سبعةِ أشهرٍ من جريمةٍ شنعاءَ بَذَرَ الإرهابُ فيها براعمَ الفُرْقَةِ وسقاها بمياهِ التعصُّبِ وَقَلَّبَها وسمَّدَها، لم تثمرِ الأرضُ الطيبةُ غير الخيرِ، ولم تُنبتْ إلا تماسكًا ولُحْمَةً بين أبناءِ الوطنِ العظيمِ، فشلتْ زراعَتُه الآثمةُ، وَصَابَهَا وَدَقُ رَوَاعِدِ المملكةِ، فكان لا بد من أن يتدخَّل ثانية، وأَن يرمي شِبَاكَهُ أبعدَ هذهِ المرَّة، بعد أن طال الانتظارُ، وفَشِلَ المخططُ، وضاع مجهودٌ خطَّط له قبلها أعوامًا.. هذه المرَّة كان الهدفُ القديحَ بالقطيفِ، أرضٌ احتَوَتْ سُكَّانَهَا حَنِيَّةً عليهم غير عَصِيَّةٍ، وأَهْل ودٍّ تألَفُهُمْ ويألَفُونَك، وتُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَك.. ولأن الغيظَ شديدٌ والكيدَ خذولٌ، اختار اللَّعِينُ المسجدَ هدفًا، وَفِي وَقْتٍ تلاحمَتْ فيه الصفوفُ من أجل صَلَاةِ مودِّعين، انفَجَرَتْ الْقُنْبُلَة، فكانتِ المسافةَ بين الواقع والمأمول.. قَتَلَتْ وأَصَابَتْ وَمَزَّقَتْ لَحْظَةً، لكنها في حقيقةِ الأمر لم تُصِبْ إلا عينَ رَامِيهَا وقلبَه، فحينَ انقشعَ دخانُ القنبلةِ كانت الصفوفُ كما هي.. أهلُ المملكة جميعًا يدٌ واحدة أمامَ ذلك المخبولِ، يُنَادُونَ سلمانَ الخير: أَقْبِلْ يا عزيزُ، رِياحُ الشرِّ عقيمٌ..!! فانقَلَبَتِ القنبلةُ نعمةً، والمحنةُ منحةً، والظلامُ ضياءً مبهرًا.. عجِيبٌ أمرُ هذا الشعبِ، ينتفضُ من المصيبةِ أقوى عودًا وأشدّ حزمًا، يتخذ الرجَّات مطايا والهزَّات سبيلا، راضٍ بحكم القضاء رضا طفلٍ بقسمةِ أبيهِ له، مرحِّبًا بالمخاطرِ ترحيبَ ناقةٍ عِيدِيَّةٍ بصحراءَ منبسطَةٍ.. وفاعِلٌ في قلبِ الأزمة فعاليةَ سهمٍ في صَدْرِ التَّرَاخِي.. طَيِّبٌ.. شعبٌ طيبٌ، لكنه إن جدَّ الجدُّ، وألقت يدٌ خائنةٌ بِرُمْحٍ مضطربٍ في جموعِ الآمنينَ، دِرْعٌ صَلْدٌ ولَأْمَةُ كَمِيٍّ وقميصٌ من حديدٍ سَرَبَلَتْهُ أيد من حديدٍ لقلُوب من حديدٍ، يَقُومُ كأنّ العراقيلَ وُضِعَتْ ليعبُرَها، يجتمعُ وَهُو لَمْ يَتَفَرَّقْ أصلا، فَتَخرج شباكُ الثعبانِ الخؤونِ خاويةً.. نسيجٌ واحد لا يعرف الأدلجةَ ولا يعترفُ بالمذهبيةِ، يكره يدَ التقسيمِ كراهيتَه للمباضعِ، ويَضَادُّ التصنيفَ، ويحتقرُ الطائفيَّةَ.. فكان لا بد إِذَنْ أن يأتي نعيُ المملكةِ لفلذاتِ أكبادِها أسمَى من التصنيفِ وأرفعَ من التوزيعِ على مذاهبَ فقهيَّةٍ أو أقاليمَ مناطقيَّةٍ، أو مستوياتٍ اجتماعيَّةٍ، نعت المملكةُ قلبَها دون أن تختبرَ جزيئاتِه، وأقسمت على الانتقامِ لهم جميعًا، كُلًّا لا يهوى الانقسامَ على ذاتِه، ورأسًا واحدًا مرفوعًا لا يعرفُ الانكفاءَ. فشلٌ من بعد فشلٍ لعينِ حسودٍ نعرفُها سُمِلَتْ، ويدِ تفريقٍ شُلَّتْ، ولِسَان إفكٍ آنَ له أن يُقطَعَ، وقد كانَ، لا فرقَ إن تسمَّى داعشَ أو القاعدةَ أو تلبَّس بغيرِه من منحرِف التنظيماتِ وشائهها، فالعدوُّ واحدٌ نعرفُه، والباعثُ واحدٌ نُدرِكُه، والهدفُ واحدٌ، ولَنْ يكونَ.. تقويضُ أمنِ المملكةِ، وحرفُها عن مسارِها الاقتصاديِّ والثقافيِّ والاجتماعيِّ والعلميِّ المشهود، وَشَغْلُها بمعاركَ متوهَّمَةٍ، غيرَ أن المملكةَ رزقها اللهُ الوعيَ خالصًا، لا تقاتلُ طواحينَ الهواءِ، ولا تنصرفُ عن مراميها، ولا تشتِّتُ رَمْيَها.. فسهمُها صائِب، وحضنُها لأبنائِها وَسيعٌ.. وغدًا تَقِفُ القديحُ كما الدالوةِ محطَّةً أخرى من محطَّاتِ الانتصارِ، ودرجةً في سُلَّم الخلاصِ، الذي تبنيه قيادةٌ سبَّاقةٌ إلى العملِ، وترصِفُهُ إرادةُ شعبٍ لا يُقْهَر بقُنبُلةٍ أو قنبلتَيْنِ! وكيلة الجامعة لشؤون الطالبات