اتخذت الكاتبة بدرية مبارك من الرواية قالبا لتسخير إبداعاتها حول العاطفة المغتربة، فالكاتبة عودتنا في أعمالها، أن تشرك المحيط الخارجي بكل تنوعاته، وتجلياته، وبواعثه، ومحدداته، بدءا من عناوين الفصول السردية، إلى ما هي بصدده من وصف سردي وعرض للأحداث، مما جعل ذلك يتضح في أطروحاتها اليومية في شبكات التواصل الاجتماعي، وجعلنا نلتفت إلى هذه الميزة التي قلما نجدها بين الكتّاب. ولقد قسم توماشفسكي السرد إلى قسمين: السرد الموضوعي والسرد الذاتي، فالأول: يكون الكاتب مطلعا على كل شيء، حتى الأفكار السرية للأبطال، والآخر: فأننا نتتبع الحكي من خلال عين الراوي. فمن خلال تتبع ما يصدر عن الكاتبة سواء على مستوى الأعمال السردية، أو ما يتعلق بتغريداتها في تويتر، نجدها لاتختلف من حيث الشكل والحس في كلا الحضورين. فالكاتبة تلتزم نهجا محددا وواضحا من خلال تلك العاطفة الموحدة والتي نجدها تغترب في وصفها عبر النصوص المحملة بها، والطرق المتشابهة في كلا الشكلين. فالكاتب - وكما تذكر يمنى العيد- ينهض على مستوى المتخيل، حيث إنه لا يتعامل مع الواقع مباشرة، بل مع ما يرتسم في ذهنه أو في مخيلته، من صور تخص هذا الواقع، أو تمثله وتعنيه، وهي صور تعادل معان أو تشكّل معان. فبالتالي أرى الكاتبة رهن العوامل المؤثرة من حولها، والقوالب التي تنطلق من ثقافتها، وانفعالاتها التي تحاول أن تؤثر مصطلحا دون آخر، أو طريقة دون أخرى. تلتزم الكاتبة بالنزوح عن ذاتها، وخلع عواطفها على الموجودات من حولها، وعلى الأشخاص، وذلك من خلال حديثها عن العزلة، عن ارتهان القلب للأبد بطفل، عن مرض الآخر، وهي بذلك تقربنا من تساؤل حتمي: وأنتِ؟ بمعنى ألا يوجد لك حضور، وأعني به الحضور العاطفي الذاتي الذي ينسجم معها كأنثى، يشرك الكثير معه من الذوات المشابهة. لا تختلف الكاتبة في حضورها في «تويتر» وبعض تداخلاتها، عن حضورها في أعمالها السردية، فهي تلتزم الفيض العاطفي ذاته، والأفعال السردية ذاتها، والعناوين كذلك، فقولها -على سبيل المثال- في تويتر: «عندما تعيش مقلدا للآخرين، كأنك تلبس من رقع أثوابهم»، فهذا القول صدى مكرر عن الإهداء الموجود في مؤلفها: «رعشات تحت لحاف بارد»، وكذلك قولها: «كنت أظن أنه أسقط عليّ من السماء بعضا من أحلامي التي لم أكن أصرح»، نجده يتشارك مع فصلها السردي «سرُّها» من المؤلف نفسه، وذلك في قولها «انتهيت من قراءة أمنيتي بصوت مسموع ثم طويتها ووضعتها في منطادي وأشعلت الشمعة وأمرتها أن تنساب بحرية لتنطلق إلى السماء»، وكذلك قولها: «أي امرأة خانها شاعر فلن تصدق قصيدة تُقال من بعده»، ينوب عنه الفصل السردي «مدي لي يديك... تلك الجملة تتبعها لعنة»، وكذلك ما غردت به، حول المرأة إذ قالت: «مسكينة هي المرأة عندما تتعلق بوهم، قاسية جدا حينما لا تسامح من تحب». إن تتبّعي لهذا الرأي، ومحاولتي إثبات ما أنا بصدده حول؛ اللغة، والأسلوب، والبنية الاجتماعية، والعاطفة، يصب حول مفهوم «الالتزام» كأسلوب لا طريقة ومنهجا، ولو كان كذلك لغاب الإبداع عن نصوصها، والفيض الحسي الذي تميزت به. فالكاتبة تلتزم رؤية خاصة حول المجتمع -وكما نعلم- أن الرؤية جوهر العمل ونواته الفكرية، والتي قد تصدر عن الفنان دون وعي منه، وذلك لفرط خبراته وعمق نظراته وحرارة إحساسه وشفافيته -كما يذكر فؤاد قنديل في فن كتابة القصة- ولقد زاد ذلك الالتزام -وخصوصا العاطفي- تكوينها الأنثوي، فذاتها الأنثوية ممتدة على كل ما حولها دون أن يكون حضورها ملموسا، إنها تشرك الآخرين معها والكون، لتعرف بذاتها المختبئة على مختلف تشكلاتها الحياتية، إلا أن حكاية الأحداث لديها جعلت من حضورها «كراوية للحدث» أكثر وضوحا من الخبر، لأنها التزمت أن تقصي ذاتها وتروي. فالراوي صوت يختبئ خلفه الكاتب، فهو في علاقته بما يروي عنصر مميز الوظيفة، ساعد في الكشف عن تلك المعاني التي تسعى الكاتبة للبوح بها ومواجهة ذاتها بها والمجتمع. وتعتبر الكاتبة بدرية مبارك، ممن يمتلكون الحس الثقافي، وأعني به الكتابة الواعية، والتي جعلت منها حذرة فيما تكتب، وملتزمة بأسلوبها اللصيق بها، وبطريقتها التي لا تكاد تختلف في كلا المنجزين «النص» و «وتويتر». كاتب سعودي