تتبوأ الأخلاق والقيم مكانًا سامياً ومنزلة عظمى في الإسلام، وقد أفاض القرآن وكذلك السنة البلاغ بشأن فضلها وأهميتها؛ للتأكيد على أن المنظومة الأخلاقية ضرورة للتعايش بين الناس، وبدونها يفسد نظام الحياة. فمصدر الأخلاق والقيم الإسلامية وحي من الله تبارك وتعالى، فالكتاب والسنة قد حددا ملامح الإطار الأخلاقي، وهو ما يعطيه أساسًا ثابتًا يستحيل عليه التغيير، ولا يتخيل معه العور، ويظل نائيًا عن التعرض للنقد. ولم يترك للعقل البشري الحرية المطلقة في تحديد واستحسان ما يشاء من القيم؛ كي تنتظم حاكمة على السلوك البشري، ولم يدعها كذلك للتأرجح بين عادات الناس التي تختلف من بيئة لغيرها ومن حقبة لأخرى. ولا ينافي هذا ما أقره الإسلام من أخلاق العرب في الجاهلية كالكرم والشجاعة والغيرة؛ لأن الله تعالى جعل أصلها مركوزًا في الفطرة البشرية، فما بقي منها على الجادة دون انتكاس أقرته الرسالة بل أكدت عليه ونمته وحددت له مساراته الصحيحة، وما انحرف منها عن الفطرة أعادته التعاليم الربانية بمسالك التربية المختلفة. وإننا إذ نشير إلى ربانية المصدر، فإننا بذلك نجلي فرقًا جوهريًا بين منظومة القيم في الإسلام وبين تلك القيم الإنسانية التي تعد قاسمًا مشتركًا بيننا وبين الحضارات الأخرى، فالعدل قيمة لها مكانتها في النظام الإسلامي وفي الغربي كذلك، ولكن يبرز الفارق في أن الإسلام يعطي لهذه القيمة الثبات والاستقرار ما دامت ربانية المصدر، فلا تتبدل ولا تتغير، حيث يكون الشعور الوجداني هو مصدر الإلزام؛ لارتباطه بالثواب والعقاب، وحيث عدم الانفصال عن النظام السياسي للدولة الإسلامية. فالتوحيد الخالص لله تبارك وتعالى لا شك أنه يثمر الأخلاق الفاضلة ويدل عليها، تلك العقيدة الصافية التي صاغت شخصية عمر بن الخطاب، ذلك الرجل الصلب صخري القلب حاد الطباع، إلى عمر الذي يرق قلبه وتدمع عيناه للأرامل والمساكين والأيتام، وأكسبت بلال بن رباح شجاعة في مواجهة الباطل بعد أن كان عبدًا هملًا لا صوت له في الجاهلية، وألبست مصعب بن عمير الفتى الناعم المدلل ثوب الرجولة والخشونة وشدة البأس. وارتباط الأخلاق بالإيمان والتوحيد الخالص نستطيع إدراكه من عدة جوانب: من خلال التعرف على حقيقة الإيمان، فهو قول وعمل، ومن خلال خضوعها للإيمان باليوم الآخر، ومبدأ الجزاء الأخروي من ثواب أو عقاب. وكما ترتبط الأخلاق والقيم بالعقيدة والإيمان، فإنها ترتبط كذلك بأداء العبادات، فديمومة الأفعال الفاضلة تثمر أخلاقًا فاضلة. ففي الوقت الذي يتسم فيه الإطار الأخلاقي في الإسلام بالثبات والاستقرار انطلاقًا من كونها -أي الأخلاق- ربانية المصدر، نلمح كذلك دون أي وجه للتعارض تلك المرونة التي تميزها، وتجعلها متناسبة مع المتغيرات المختلفة، ومراعاتها لقوانين الاجتماع البشري، واحترام العقل والوجدان والتناغم مع الفطرة، فكما أن الإسلام قد وضع حدًا أدنى للالتزام التعبدي بتحديد الفرائض، فإنه قد أفسح المجال لأولي الهمم المتطلعين إلى المعالي، فشرع لهم مجال النوافل الرحب الممتد، يتنافسون من خلاله في المراتب العلى.