قالت القوات العراقية: إنها صدت هجوما شنه خلال الليل مقاتلو داعش قرب مدينة الرمادي التي اجتاحها المقاتلون في مطلع الأسبوع، وفرّ منها أكثر من 40 ألف شخص باتجاه العاصمة بغداد. فيما اعلنت الولاياتالمتحدة رغبتها في تسريع دعم العشائر السنية في الانبار بعد سقوط مركزها الرمادي بيد داعش. ويسعى تنظيم داعش لتعزيز مكاسبه في محافظة الأنبار الصحراوية الشاسعة وعاصمتها الرمادي، حيث لا تزال جيوب معزولة تحت سيطرة القوات الحكومية. وكشف تقدم التنظيم عن أوجه قصور في الجيش العراقي والضربات الجوية الامريكية. من جانب آخر، تتأهب قوات حكومية تدعمها فصائل شيعية في قاعدة عسكرية قرب الرمادي استعدادا لشن هجوم مضاد لاستعادة المدينة التي تملك فيها قوات التنظيم دبابات ومدفعية تركتها القوات العراقية خلال فرارها. وقالت الشرطة والقوات المؤيدة للحكومة: إن مقاتلي التنظيم هاجموا القوات الحكومية أثناء الليل في حصيبة الشرقية التي تقع في منتصف المسافة تقريبا بين الرمادي وقاعدة الحبانية العسكرية التي تجمع فيها مقاتلو الفصائل. وقال أمير الفهداوي، قائد قوة العشائر السنية المؤيدة للحكومة في المنطقة: "داعش هاجمنا نحو منتصف الليل بعد موجة من القصف بمدافع المورتر على مواقعنا. "هذه المرة جاءوا من اتجاه آخر في محاولة لشن هجوم مباغت، لكننا كنا متيقظين، وبعد اشتباكات استمرت حوالي أربع ساعات أحبطنا هجومهم". وتقع قاعدة الحبانية في منتصف المسافة بين الرمادي ومدينة الفلوجة التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش منذ أكثر من عام، وتبعد 50 كيلو مترا فقط عن العاصمة العراقية. ويبدو أن التنظيم يحاول وصل الرمادي بالفلوجة من خلال السيطرة على الاراضي الواقعة فيما بينهما. ومع تزايد الضغوط من أجل التحرك لاسترداد الرمادي، حث مسؤول حكومي محلي المواطنين على الانضمام لصفوف الشرطة والجيش للمشاركة في المعركة التي وصفها رجال فصائل شيعية بأنها ستكون "معركة الأنبار". وقال شهود عيان في الرمادي: إن مقاتلي داعش أقاموا مواقع دفاعية وزرعوا ألغاما أرضية. وأصبحت أعلام التنظيم السوداء ترفرف فوق المسجد الرئيسي والمباني العامة الأخرى. ويمثل الاستيلاء على الرمادي أكبر نجاح لتنظيم داعش منذ سيطر على مدينة الموصل الشمالية في العام الماضي وأعلن قيام دولة الخلافة. ورغم أن التنظيم اضطر للتقهقر في تكريت مسقط رأس صدام حسين وفي مدينة كوباني السورية، إلا انه ما زال يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي العراقوسوريا. نزوح مشروط وقال مسؤولون محليون: إن 500 شخص قتلوا في معركة الاستيلاء على الرمادي. وتقول منظمة الهجرة الدولية: إن أكثر من 40 ألف شخص فروا من المدينة باتجاه مدن اخرى مثل العاصمة بغداد. وقررت قيادة عمليات بغداد دخول الحالات الانسانية فقط من العوائل النازحة الى العاصمة. وأفاد نازحون عالقون في معبر بزيبز امس بأن خمس حالات وفاة سجلت بين العوائل النازحة نتيجة الظروف الانسانية السيئة، مؤكدين أن الحكومة سمحت بدخول الحالات الانسانية فقط، وبشرط الكفيل دون ان تسمح للعوائل الأخرى. وقال عدد من النازحين: "منذ ستة أيام ونحن نفترش الارض مع عوائلنا في منطقة /بزيبز/ الواقعة أقصى شرق الأنبار، بانتظار شفقة الحكومة علينا بفتح المنفذ من أجل الدخول للعاصمة بغداد لطلب الأمان". وأضاف النازحون: إن امرأتين وثلاثة أطفال توفوا الثلاثاء بسبب حرارة الجو ونقص الادوية، وتم دفنهم في منطقة /بزيبز/ لعدم السماح لنا بدخول بغداد لغرض دفنهم. وأوضح النازحون أن ست حالات ولادة سجلت خلال أيام الانتظار في بزيبز منذ الجمعة الماضي، وان الولادات تمت في المنطقة ذاتها على أيدي النساء باستخدام أدوات بدائية وغير طبية. ويشهد معبر بزيبز الواقع أقصى شرق الأنبار، والذي يربط المحافظة بالعاصمة بغداد، وجود آلاف العوائل النازحة التي هربت مؤخرا من الرمادي نتيجة سيطرة داعش عليها، بانتظار السماح لها بالدخول الى العاصمة بغداد لطلب الأمن والاستقرار. وعلى الصعيد نفسه، أكد النائب عن محافظة الأنبار سالم مطر العيساوي أن بغداد اصبحت غريبة على العوائل النازحة من أبناء الأنبار. وقال العيساوي: إن العاصمة بغداد اصبحت بعيدة وغريبة عن النازحين من أهالي الأنبار، لعدم السماح لهم بالدخول اليها هربا من المواجهات العنيفة في مناطق الرمادي. وأضاف العيساوي: إن "تلك العوائل النازحة أصبحت بين مطرقة تنظيم داعش الذي سيطر على ديارهم، وسندان الحكومة المركزية التي لم تسمح لهم بدخول بغداد". وأكد "من المؤسف على الحكومة ان تعامل ابناء شعبها بهذه الطريقة". وأضاف العيساوي: إن "القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي سمح يوم الثلاثاء بدخول الحالات الانسانية فقط الى العاصمة بغداد وبشرط الكفيل، مؤكدا أنه من المعيب ان تفرض الكفيل على أبناء شعبك في داخل الوطن مقابل دخولهم العاصمة. وبين العيساوي أن هذا الإجراء غير دستوري وغير قانوني، وان الدستور العراقي أجاز لجميع المواطنين الدخول الى أي منطقة في البلاد بدون أي قيد أو شرط. الدعم الأمريكي ودفع سقوط الرمادي، الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي تقود بلاده تحالفا دوليا ينفذ ضربات جوية ضد التنظيم، الى عقد اجتماع لمجلس الامن القومي لتقييم الوضع في العراق، بعد تحقيق داعش ابرز تقدم ميداني له في البلاد منذ هجومه الكاسح في يونيو 2014. وقال المتحدث باسم المجلس اليستر باسكي: "ندرس كيفية تقديم افضل دعم ممكن للقوات البرية في الانبار، خصوصا من خلال تسريع تأهيل وتجهيز عشائر محلية ودعم العملية التي يقوم بها العراق من اجل استعادة الرمادي". ويقدم التحالف الاستشارة والتدريب للقوات العراقية وابناء العشائر، لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون. وعلى رغم ان ذلك ساهم في استعادة بعض المناطق، الا انه لم يحل دون تقدم التنظيم في الانبار، حيث يتواجد مئات المستشارين العسكريين الاميركيين في قواعد عراقية. وأكد باسكي بعد الاجتماع ان الاستراتيجية التي تعتمدها واشنطن ضد تنظيم داعش منذ الصيف، لن تتبدل. وقال: "لا توجد اية تغييرات رسمية على الاستراتيجية"، وان الامر يتعلق بتصحيح الجدول الزمني اكثر مما هو اعادة نظر في مساعدة العشائر. وأكد اوباما مرارا أن أي قوات قتالية لن تشارك في معارك ضد المتطرفين. وكانت الحكومة العراقية اعلنت الثلاثاء دعمها للعشائر. وجاء في بيان لمكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي "التأكيد على التزام الحكومة العراقية بتطويع وتسليح مقاتلي ابناء العشائر بالتنسيق مع محافظة الانبار". وكان نحو الف من ابناء عشائر الانبار انضموا في الثامن من مايو، الى قوات الحشد الشعبي. وقال المحافظ صهيب الراوي في حينه: ان الخطوة تأتي ضمن توجه لدى العبادي، لتطويع نحو ستة آلاف من ابناء عشائر الانبار ضمن قوات الحشد التي تقاتل الى جانب القوات الامنية. وحضت واشنطن مرارا حكومة العبادي على تقديم مزيد من الدعم للعشائر التي تقاتل التنظيم المسيطر على مناطق ذات غالبية سنية بمعظمها. إلا ان سقوط الرمادي دفع العبادي الى الاسراع في طلب مساندة الحشد والفصائل الشيعية المدعومة مباشرة من ايران، واكتسبت منذ هجوم تنظيم داعش نفوذا متزايدا كان يلقى بعض الانتقاد من واشنطن. وأقرت واشنطن بأن سقوط المدينة الواقعة على مسافة 100 كلم غرب بغداد، يشكل "انتكاسة"، الا انها ابدت ثقتها باستعادتها قريبا. وكان التنظيم يسيطر على اجزاء من الرمادي منذ مطلع 2014، وتصدت القوات الامنية والعشائر مرارا لهجمات شنها سعيا للسيطرة على ما تبقى منها. إلا ان التنظيم شن هجوما واسعا مساء الخميس، استخدم فيه الهجمات الانتحارية بشكل مكثف، ما اتاح له التقدم والسيطرة على كامل المدينة. واعتبر معهد دراسة الحرب في واشنطن، المعني بالشؤون العسكرية، ان سقوط الرمادي كان من الممكن تفاديه. وقال: "الهزيمة كان يمكن تفاديها. لا تنظيم داعش ولا تنظيم القاعدة تمكنا (في السابق) من السيطرة على مدينة مهمة مدافع عنها بشكل فاعل من الولاياتالمتحدة وقوات محلية". وأضاف: "هذا ما يحدث عندما (تتبع) سياسة من اجراءات منقوصة وقيود ومواقف، في مواجهة عدو ماهر ومصمم في الميدان". والأنبار، كبرى محافظاتالعراق، وتتشارك حدودا طويلة مع الاردن والسعودية، ومع سوريا حيث يسيطر التنظيم على مساحات واسعة.