حين تختلط مشاعر الدهشة بالحزن، والفخر بالعزاء، حين تبحث عن شخص حظي بعشرة ألقاب رسمية وفخرية لا يصدّر بها خطابا شخصيا ولا ودّيا شفهيا، وحين تسمع مراسل إمارة القصيم يبعثه أميرها لشخص يركب سلّما يدهن جدران مزرعته بنفسه وقد تساقطت بقعه على شعره وثوبه فيظنه عاملاً، وحين يبلُغُك خبر مجاهد ذاد عن حياض الشريعة حين هاجمتها القوانين الوضعية في رئاسته لهيئة الخُبراء، بَلْهَ ذلك كله لتسترشد عن السَّيف المُشهَر لحماية عرض القضاء وشرفه من غوغاء الإعلام ، وإذا أردت مثالاً لدقة امتثاله للموعد، وخدمة بلا عائد للاقتصاد الإسلامي حتى غدا منافسا لدودا لأضرُب الربا والمماكسات، وإذا أردت عالما يتجنب الفتوى دائماً، وإذا سُئل أحال السؤال لطالب علم بجواره، وإذا سألت عن الشخص الثاني في عبارة الملك فيصل بن عبدالعزيز : لم يبقَ من الصحابة إلا اثنان الشيخ عبدالعزيز بن باز.. فستكون إجابة تلك التساؤلات متمثّلةً في (صالح بن عبدالرحمن الحصيّن) كما يحلو له أن يُنادى. إنه رجل نشأ في حلية التواضع وسلامة الصدر، مع قوة في الحق، أنا أتكلم عن شخصية ذات نسق مختلف، ترى أن الاشتغال بالتزود المعرفي والعمل الخيري هو أمتع بكل المقاييس من أعمال الحكومة؛ ولو تسنّم دفة القيادة! اختصرت ورقة عمل لي في مؤتمر يُعنى بالقضاء، فأرسلتها له مقالة ترتعش حياء بين يديه الثابتتين إيماناً، فتلقيت بعد ثلاثة أشهر اتصالاً وقد ابتدأ كلام : معي الشيخ محمد ؟ قلت من- ظننته سائلاً عن علم- ؟ فأجابني: معك أخوك صالح الحصين! ولم أستوعب أنه معالي الشيخ الوزير عضو هيئة كبار العلماء إلا بعد دقيقتين! وقرر مكافأة للمقال؛ بأن يطلعني على خطاب احتسابي دفاعا عن عرض الدولة –كما يُعبّر معاليه عن القضاء– فأرسلها للفاكس الشخصي! هو مدرسة في نكران الذات.. داعبتني كثيرا عبارة كتبها في إحدى مقالاته: «كنت مغرما في مرحلة المراهقة بقراءة كتب الصحة النفسية، والعبارة التي قرأتها في أحد هذه الكتب ولم أنسها حتى الآن هي: (كن كما أنت) أي لا تتظاهر بأنك أغنى، أو أذكى، أو أعلم، أو أتقى، أو أفضل مما أنت في الحقيقة». إن خدمته للقانون وإدخال ما لا يخالف الشريعة الغراء، ساهم كثيرا في إرساء دعامة قوية ضد نزعات الوضعيين، إذ كان موفَّقا في مراعاة الاختلاف الثقافي بين واقع النظام الإسلامي والنظام الغربي في السياسة والاقتصاد والمرأة والإيديولوجيات التي تحافظ على خصوصية المملكة.