تسعون عاما انقضت وإقليم الأحواز العربي أسير الاحتلال الإيراني، الذي مارست حكومات طهران المتعاقبة على شعبه، أقصى درجات التمييز المذهبي، وشتى سياسات الاضطهاد والتضييق والتهميش والتمييز العنصري. وبالرغم من محاولات طهران المستميتة لحرف عرب الأحواز عن قوميته وتذويب هويتهم العربية، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، وضرب شعب الأحواز أروع الأمثلة على الصمود والتضحية، وظل الشعب الأحوازي طوال السنوات ال90 متمسكاً بأصالته، وأعرافه وجذوره العربية الخالصة. ففي الأحواز على سبيل المثال لا تزال الثقافة الشبيهة بالثقافة العربية – خصوصاً الخليجية - من الأساسيات التي يحرص الأحوازي عليها، بل ويحث أبناءه على الاقتداء بها، حتى لو كان الثمن حياته وحياة أبنائه. عرب الأحواز وبعد اقترابهم من إمضاء قرن كامل، من القمع وسياسات الظلم والتمييز العرقي والطائفي، الذي مارسه بحقهم الاحتلال الإيراني، وحرمانهم من أبسط حقوقهم وخيرات بلادهم، يتطلعون اليوم إلى الحرية ويأملون بالخلاص من الاحتلال، لعيش حياة كريمة، ونيل حقوقهم الإنسانية والشرعية، والتمتع بخيرات وثروات بلادهم التي حُرموا منها ظلماً. مواجهة عروبة الإقليم الناشط السياسي ومدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية حسن راضي، يجد في حديث له مع "الوطن"، أن الشعب العربي الأحوازي منذ اليوم الأول لاحتلاله، وهو يتعرض لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد والحرمان والقمع على يد الدولة الفارسية، ولا يقتصر ظلم وحقد المحتل على الإنسان فحسب، بل طال النخيل والمياه والبيئة والآثار والتراث وكل ما يتعلق بالإنسان العربي الأحوازي وتاريخه العريق، من أجل محو معالم العروبة والإسلام في الأحواز. "منع التعلم بالعربية" ويشير الناشط السياسي الأحوازي إلى أبرز السياسات الفارسية الرامية لمحو تاريخ الأحواز وهويتها وثقافتها العربية الإسلامية، ومنها اتخاذ السلطات الإيرانية إجراءات تعسفية كمنع التدريس والتعلم باللغة العربية، والاستهزاء بالعرب، ومحاولة تشويه تاريخهم، والتقليل من شأنهم وحضاراتهم عبر الإعلام والكتب التاريخية والمناهج التدريسية، إضافة إلى تدمير كل الآثار التاريخية والحضارية في الأحواز، وتزوير ما تبقى منها لصالح الفرس، ومنع الأحوازيين التحدث باللغة العربية في الدوائر الحكومية ومنع دخولهم في المؤسسات والدوائر بالملابس العربية، وتغيير أسماء المدن والقرى العربية الأحوازية إلى أسماء فارسية، ومنع تسمية الشوارع والمحلات التجارية وغيرها بتسميات عربية، إضافة إلى منع العرب في الأحواز من تسمية مواليدهم الجدد بأسماء عربية، ما عدا بعض أسماء المرتبطة بالمذهب الشيعي، كما يوجد في دائرة تسجيل أسماء المواليد، قائمة بأسماء ممنوعة وأخرى مسموح بها، ومن ضمن الأسماء الممنوعة أسماء صحابة الرسول والخلفاء وأسماء عربية أخرى. أما الأسماء المسموح بها، أسماء فارسية جميعها من العهد المجوسي مثل "كورش، وداريوس، ورستم" وغيرها. كما تمنع سلطات إيران إصدار أي صحيفة أو مجلة أو غيرها باللغة العربية، وتمنع في الوقت عينه فتح مراكز تعليم القرآن واللغة العربية، ومنع تعليم القرآن واللغة العربية حتى في المساجد. مواجهة "القمع المذهبي" ويستدرك راضي حديثه بعد ذلك ويمضي للقول "برغم من الإجراءات التعسفية التي لا تمت للإسلام بصلة، استطاع الأحوازيون وبعد مرور ما يقارب تسعة عقود من عمر الاحتلال الغاشم، أن يحافظوا على لغتهم وثقافتهم جيلا بعد جيل، والتمسك بها والتضحية من أجلها، وأصبحت البيوت مدارس وجامعات، تتحدث العوائل اللغة العربية وتعلمها للأطفال منذ الصغر، والمجالس والمضايف أحد أهم ما يمكن أن يحافظ الأحواز من خلاله على العادات والتقاليد العربية، كما يحرص الشعب الأحوازي على ممارسة عاداته وتقاليده في مناسبات الفرح والعزاء، ويرفضون التقاليد الفارسية الدخيلة على المجتمع". الفخر بالتاريخ العربي ويضيف راضي "شباب الأحواز فخورون بتاريخهم وعروبتهم وإسلامهم الحنيف، ويحرص أبناؤنا على تحدث اللغة العربية المحلية الدارجة، وتعلم العربية الفصحى وحفظ القرآن والقصائد العربية الأصيلة للمتنبي وامرئ القيس وغيرهم من أمراء الشعر العربي الفصيح". ثورة محيي الدين الزيبق وفي ختام حديثه استرجع راضي بفخر انتفاضات وثورات الشعب الأحوازي، وذكر منها ثورة الجيش الأحوازي الأولى ضد الاحتلال الفارسي عام 1925، التي أخذت الطابع القومي العربي، متذكراً شعارها الدال على ذلك وهو "يا عقال نسوي لك هيبة"، حيث بين أن ثورة الشعب الأحوازي تلك وجدت أصداء واسعة، بعد انطلاقها من مدينة الحويزة عام 1928، حين باشرت السلطات الإيرانية بنزع السلاح من أبناء شعبنا، وفرضت الزي الفارسي بالقوة على الرجال والنساء". وأضاف "أن من قاد تلك الانتفاضة هو الشهيد محيي الدين الزيبق، واستطاع بثورته تحرير المنطقة الشرقية من الأحواز، وشكلت حكومة استمرت ستة أشهر، ولم تتمكن حكومة رضا خان حينها من إخمادها سوى باستخدام الطائرات. الحفاظ على "العروبة" أما الناشط والمعارض قاسم الأحوازي فقد دحض ل"الوطن"، مزاعم الحكومة الإيرانية بأن سكان إقليم أنهم لا يتجاوزون المليون نسمة، الأمر الذي وصفه ب"الافتراء"، حيث تقدر نسبة سكان الأحواز بأكثر من 10 ملايين، غالبيتهم من عرب ينتمون إلى قبائل عربية عريقة من شبه الجزيرة العربية، حيث استقروا في الإقليم عقب موجات هجرة متتالية منذ الآف السنين، مضيفاً بأن من يزور الأحواز، لا بد أن يلاحظ مدى فخر واعتزاز أبناء القبائل الأحوازية بعروبتهم وتمسكهم بعاداتهم العربية الأصيلة وتقاليدهم التي توارثتها عبر الأجيال، ولا بد أن يرى المظاهر التي تدل على عروبة الشعب الأحوازي، كبيوت الشعر ومجالس القهوة العربية والزي العربي، ولبس الثوب والعقال في المناسبات الاجتماعية والشعر العربي، وحث الآباء لأبنائهم على المحافظة عليه كرمز للعروبة والقومية. أهمية الإقليم "الجيوسياسية" وأضاف الأحوازي بأن الموقع الجغرافي لإقليم الأحواز أكسبه أهمية خاصة، حيث الإقليم على طول الساحل الشرقي للخليج العربي، من شمال شط العرب وحتى مضيق هرمز جنوبا، وتمر في أرض الأحواز كل الطرق والمعابر الإيرانية إلى العالم الخارجي عبر خليج العرب، مما يكسب الأحواز أهمية جيوسياسية وأهمية اقتصادية، لكونها نافذة الجمهورية الإيرانية التي تطل منها على العالم الخارجي، فيما تقع معظم المواني والمنافذ البحرية لإيران داخل حدود أراضي الأحواز. عرب إيران والثروات المنهوبة وأشار الأحوازي إلى أن أرض الإقليم تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، وتعتبر من أكثر المناطق في العالم إنتاجا لهاتين المادتين الحيويتين لتوليد الطاقة، فيما يتم إنتاج ما يقارب 75% من الطاقة الكهربائية الإيرانية في الأحواز، ومن مصادر الأحواز الطبيعية، إضافة إلى خصوبة الأراضي الأحوازية، ووفرة المياه، ما يخول لإنتاج زراعي يزيد على 50% من الإنتاج الإجمالي للقمح الإيراني، وحوالي 90% من أجمالي التمور في إيران. ولفت الأحوازي في سياق حديثه إلى سياسات الاضطهاد والتهميش التي تمارسها حكومة طهران بحق الشعب الأحوازي. ومضى يقول "الأحواز العربية بالرغم من الثروات الهائلة التي تزخر بها، إلا أن الشعب هناك يعاني الفقر والتهميش، وسوءا كبيرا في البنى التحتية والخدمية، وأتبعت إيران بدورها سياسات تمييز عرقية وطائفية ضد العرب في التوظيف وفي الثقافة، ومنعتهم من تعلم اللغة العربية ومن استعمالها في المناسبات". الوقوف في وجه التعليم ويؤكد الناشط الأحوازي، أن شباب جلدته العرب في الإقليم، يعانون من صعوبة الحصول على فرص لدخول الجامعات الإيرانية، بسبب سوء التعليم في مقاطعتهم، إضافة إلى طبيعة أسئلة امتحان الدخول للجامعات الإيرانية التي تجري باللغة الفارسية، وتركز على الحضارة الفارسية. كما يعاني العرب من التمييز في فرص العمل والرتب الوظيفية والرواتب مقارنة بنظرائهم من غير العرب. ويتابع الناشط الأحوازي حديثه ل"الوطن" بقوله: "اتبعت السلطات الإيرانية سياسة تفريس الإقليم لتغيير التركيبة السكانية وديموجرافية الأحواز، فجلبت آلاف العائلات من المزارعين الفرس إلى الإقليم منذ عام 1928، وكانت سرعة تكاثر هؤلاء أعلى من سرعة تكاثر العرب. تعليم أصول الدين "سرًّا" وشدد الأحوازي في ختام حديثه على صمود الشعب العربي الأحوازي في ظل ما يلاقيه من بطش وتهميش، من قبل سلطات إيران التي لم تترك وسيلة، لم تستخدمها لأجل حرف وتحويل أبناء الأحواز عن قوميتهم العربية ومذهبهم. ويصر الشعب الأحوازي على زرع القومية العربية ومذهب أهل السنة والجماعة في أبنائه وناشئته، فيعمل المثقفون وطلاب العلم في الأحواز على تعليم الأطفال اللغة العربية، وأصول الدين "سرًّا"، لأن الحكومة الإيرانية تعتبر تعليم اللغة والثقافة العربية وأصول الدين "جريمة عظمى" يستحق مرتكبها الإعدام شنقاً، حيث أعدمت الآلاف من الشعب الأحوازي بهدف ثنيهم عن غرس الثقافة العربية والمذهب السني في نفوس أبناء الأحواز العربية السنية.