رحّبت إيران بقرار روسيا رفع الحظر عن تسليمها صواريخ مضادة للطائرات من نوع إس-300، واعتبرت أنه يمكن أن يساعد على إحلال «أمن دائم» في المنطقة. وقال وزير الدفاع الإيراني حسن دهقان: «إن تطور التعاون الثنائي مع روسيا ومع الدول المجاورة في مجالات مختلفة، يمكن أن يكون فعالا جدا من أجل الاستقرار والأمن الدائم في المنطقة» في إشارة إلى «التهديدات من خارج المنطقة وازدياد النشاطات الإرهابية». وسلّطت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الضوء على قرار الدب الروسى، وقالت: إن المنظومة الصاروخية ستتسبب في إلحاق ضرر قوي على قدرة إسرائيل وأمريكا في شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، موضحة أن توتر العلاقات بين موسكو والدول الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية، شجّع بوتين على إعادة النظر في فكرة تزويد طهران بتلك المنظومة الصاروخية. وحول الهدف من الإفراج عن هذه الصواريخ في هذا التوقيت، قال الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان: إن تصريحات وزير الخارجية الروسي عن توريد روسيا لصواريخ إس-300 لإيران من أجل تدهور الأوضاع في اليمن، يعني أن الأمور في تصعيد دولي، والحلول السياسية غابت، وأصبحت اليوم السعودية والدول المشاركة في عاصفة الحزم في موقف حرج. وأوضح عودة، أن روسيا الآن لن تسمح بهزيمة إيران أو الهجوم عليها، وكذلك ستتعاون معها أمريكا وفقا لاتفاقيات أمريكية إيرانية، فاليوم المشهد تغير تماما. ومن جانبه، أكد اللواء زكريا حسين، رئيس هيئة البحوث العسكرية ومدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا السابق، ل «صدى البلد»، أن صفقة الصواريخ الروسية الs300 لإيران معقودة منذ زمن، ولكنها عطّلت عام 2007 بسبب فرض الأممالمتحدة العقوبات على إيران في سبتمبر من عام 2010. وأكد اللواء أحمد الغباري، مدير كلية الدفاع سابقا والخبير العسكري، أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، حول إمداد إيران بصواريخ s300، الهدف منه هو ظهور موسكو في المشهد العربي فقط. وأوضح الغباري، أن هذه الصواريخ تحتاج لقواعد عسكرية كبيرة، ولا يمكن أن يتم استخدامها من خلال القواعد البحرية، لافتا إلى أن هذه الصواريخ لا فائدة منها إلا إذا أعلنت طهران الحرب على السعودية، وذلك أمر مُستبعد. بتوقيع الرئيس الروسي ميدفيديف مرسوما يحظر تصدير منظومات أسلحة متطورة لطهران من بينها صواريخ إس 300، عقب انتقادات لاذعة، انهالت عليه من قبل واشنطن وتل أبيب جراء صفقة الصواريخ الروسية الأخيرة لسوريا، يكون الكرملين قد وضع بذلك نهاية -ولو مؤقتة ومرحلية- لجدل إستراتيجي ممتد وحامي الوطيس، التحمت في غماره كل من إيرانوروسيا وإسرائيل والولاياتالمتحدة بشأن صفقة الصواريخ الروسية الإيرانية المثيرة للجدل. فبعد طول مماطلة أحاطت هذه الصفقة بسياج من الغموض، اتخذ الجدل حولها أبعادا جديدة أكثر إثارة، بعد أن اخترقت -غيوم التردد الروسي بشأن تنفيذها- أنباء سربتها دوائر استخباراتية أميركية، تفيد بإبداء واشنطن عدم ممانعتها تسليم موسكو صواريخ إس 300 لطهران مقابل موافقة روسيا على فرض جولة رابعة أشد وطأة من العقوبات على إيران، بغية تضييق الخناق عليها وإجبار نظامها على الانصياع للمطالب الغربية، بشأن تجميد البرنامج النووي. وهي التسريبات التي بددها إعلان موسكو تجميد الصفقة، تجاوبا من جانبها مع جولة العقوبات الرابعة التي تضمنها القرار الأممي الجديد ضد إيران. ورغم كون هذه الأنظمة الصاروخية تصنف على أنها «دفاعية» بحتة، فإن الصفقة الخاصة بها تكتسب أهميتها من التطورات والتغييرات التي يمكن أن تتمخض عن امتلاك طهران لها في موازين القوة بينها وبين وإسرائيل، وسط انسداد القنوات الدبلوماسية لتسوية الأزمة النووية الإيرانية، وما يمكن أن تضفيه من صدقية على الإستراتيجية الرداعة لإيران في مواجهة التهديدات التي تطلقها إسرائيل والولاياتالمتحدة ما بين الفينة والأخرى، بتوجيه ضربة إجهاضية للمنشآت النووية الإيرانية. وبمقدور أنظمة صواريخ إس 300 بي أم يو1 المعروفة في الغرب باسم إس أي 20 المحمولة على عربات، جعل الأجواء الإيرانية منيعة يصعب اختراقها، خاصة أن في وسعها إسقاط الطائرات وصواريخ كروز بما فيها العابرة للقارات ذات الرؤوس الحربية بمدى يصل إلى 144 كيلومترا وعلى ارتفاع 90 ألف قدم، أي ما يعادل 27 ألفا و432 مترا، هذا علاوة على إمكانية إطلاقها ضد أهداف على ارتفاع يصل إلى 150 كلم، وتتجاوز سرعتها الكيلومترين في الثانية. وبناء عليه، فمن شأن امتلاك إيران لمثل هذه الصواريخ أن يعقّد بشكل كبير الحسابات الأميركية والإسرائيلية فيما يخص القيام بأي عمل عسكري محتمل ضد إيران. ويمكن فهم التغير في الموقف الروسي حيال طهران مؤخرا، في ضوء تطورات أربعة مهمة تداعت على التوالي خلال العام الجاري، بدءا من قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما مطلع الخريف الماضي تجميد إقامة محطات للدرع الصاروخي الأميركي في وسط وشرق أوروبا، مرورا بإعلان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في شهر فبراير/شباط الماضي نجاح بلاده في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم محليا من 3،5% إلى 20%، وإبدائه عزما أكيدا على الوصول بتلك النسبة إلى مديات أبعد مع إنشاء المزيد من المواقع النووية، وتوفير عدد أكبر وأكثر تطورا من أجهزة الطرد المركزي. ويمكن القول: إن الحرص الروسي على توظيف المسألة الإيرانية في سياسات موسكو الخارجية، قد بدا جليا في موقف الكرملين من هذه الصفقة، التي أبرمتها موسكو مع طهران في عام 2005، ولم يتم تسليمها حتى الآن، رغم أن موعد تسليمها كان في مايو/أيار 2009. وهى الصفقة التي تتعامل معها موسكو، كورقة مساومة سياسية مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل والغرب، فلا هي من جهة تتخلى كلية ونهائيا عن الصفقة التي أعلن الكرملين أن العقد المبرم بشأنها لم يُفسخ ولا يزال ساريا، ولا هي من جهة أخرى تقوم بتنفيذها وتسليم الصواريخ لطهران، ولو على نحو جزئي أو مرحلي. وبكلمات أخرى، يمكن القول: إن تحولات الموقف الروسي بشأن التعاطي مع إيران وأزمتها النووية إنما تطوي بين ثناياها حرصا روسيًّا على الإمساك بالعصا من المنتصف، بمعنى بلوغ غايات ثلاث: أولها، الإبقاء على وشائج التقارب والتعاون بين موسكووطهران، التي تحقق موسكو من خلالها مكاسب إستراتيجية واقتصادية مهمة، ليس أقلها الاحتفاظ بموطئ قدم روسي في المياه الدافئة بالخليج العربي. كما تجد موسكو نفسها بحاجة للإبقاء على مبيعات السلاح الروسية لإيران بغية الحصول على الاحتفاظ بمصدر دخل مهم، لاسيما أن اتفاقية عام 1995 الشهيرة التي وقّعها نائب الرئيس الأميركي آل غور ورئيس الوزراء الروسي فيكتور تشرنومردين والتي نصت على عدم بيع أي أسلحة روسية أو تكنولوجية متطورة لإيران، صارت تشكّل عبئا وخسارة على موسكو التي وعدتها واشنطن بمكافأتها عليها عبر تعويضها عن السوق الإيرانية بأسواق أخرى أكثر رواجا حول العالم، لكنها لم تفعل. وتُبقي موسكو على الورقة الإيرانية كأداة مساومة في التفاوض مع واشنطن وحلفائها الغربيين، بما يتيح لموسكو إحراز نجاحات في مفاوضاتها مع تلك الأطراف حول ملفات وقضايا بالغة الأهمية بالنسبة لأمن روسيا ومصالحها الإستراتيجية، فضلا عن تحسين وضعها في المنظومتين العالمية والغربية مستقبلا، وكبح جماح التدخّل الأميركي في الشأن الداخلي الروسي من خلال انتقاد أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات في داخل روسيا، وكذا تحجيم الدعم السياسي والعسكري الأميركي لأوكرانيا وجورجيا، إلى جانب تهدئة التوترات مع الناتو ووقف الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا. كما ترمي موسكو إلى تحقيق تقدم في مفاوضات ضبط التسلح الإستراتيجي مع واشنطن بما يتماشى والمصالح الروسية في هذا الخصوص، لاسيما عودة التوازن الإستراتيجي بينها وبين الولاياتالمتحدة. كما تسعى موسكو لإجهاض مساعي واشنطن وبعض حلفائها الغربيين إلى عزل روسيا سياسيًّا ومحاصرتها إستراتيجيًّا وتهميشها داخل الناتو، وضمن أمن الطاقة وعمليات أفغانستان التي تضطلع روسيا فيها بدور لوجيستي حيوي، لا تتورع واشنطن عن البحث عن بديل له مستعينة بحلفائها المقربين في المنطقة من أمثال أوكرانيا وتركيا. الموقف الإسرائيلي وتشير مصادر قريبة من الكرملين، إلى أن موسكو تلقت تحذيراً واضحاً ولا يقبل الجدل من الجانب الإسرائيلي بأن تسليم طهران تلك الصواريخ حالياً، يعني أن خيار الحرب قد بات حتمياً. بيد أن تفاقم أجواء عدم الثقة التي أضحت تلف العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة وبين حلفائها الأطلسيين خلال الآونة الأخيرة، وما استتبعه من تنامي أهمية إيران بالنسبة لروسيا، كورقة تفاوضية مهمة لمساومة الغرب والضغط عليه وابتزازه إنْ تطلّب الأمر ذلك، لم يكن ليزج بموسكو في غياهب صدام غير مرغوب فيه مع الغرب، إذ عمدت إلى الإبقاء على سقف تطلعات الإيرانيين بشأن الدعم الروسي المتوقع لموقف بلادهم، التي لم تزل حليفا تكتيكيا ووظيفيا لروسيا في مواجهة الغرب، وشريكا متواضعا إلى أدنى مستوى ممكن بما لا يشكل عبئا إستراتيجياً أو سياسيا على موسكو يؤثر بالسلب على مساعيها لمد جسور التفاهم مع الغرب، الذي سيبقى شريكا إستراتيجياً لروسيا لا تبدو مستعدة لخسرانه أو الاصطدام به على الأقل في الأمد المنظور. ومن ثم جاءت الموافقة الروسية على قرار العقوبات الجديد ضد إيران، ومن بعده إعلان تجميد صفقة صواريخ إس 300 المثيرة للجدل. ولعل تصورا كهذا هو ما حمل دوائر إستراتيجية مهمة في كل من موسكووطهران على المطالبة بمراجعة العلاقات بين البلدين، في ظل أجواء التشكيك التي تخيّم على رؤية تلك الدوائر للأهمية التي يمثلها كل من البلدين للآخر. ولعل النظام الإيراني بإدارته تلك للعلاقات مع موسكو، يمضي قدما في تبني إستراتيجية الرهان على التحولات الظرفية، التي تطوي بين ثناياها توترات متجددة في العلاقات بين روسيا والغرب، حيث يترقّب تطورات دولية أو مستجدات إقليمية من شأنها أن تسفر عن انبعاث التوترات بين موسكو من جهة وواشنطن وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، على نحو يدفع بموسكو نحو إعادة إنعاش علاقاتها بطهران توطئة لتوظيف الورقة الإيرانية في مواجهة الخصوم الغربيين، عسى أن يفضي مآل الأمور يوما ما، إلى اضطرار الكرملين لتسليم صواريخ إس 300 لطهران ردا على أي استفزازات أو صفعات غربية لموسكو.