يبدو المنظمون الأوروبيون عازمين على جعل الأمر صعبا على المصارف في تمويل أنفسها. إن التفكيك المؤلم لبنك هايبو آلب أدريا في النمسا يُظهر أن ضمانات الحكومة لم تعد محصنة، حيث إن الحكومة الألمانية تريد أن تجعل من الممكن أن يتحمل أصحاب السندات المؤَمَّنة بعض الخسائر، والبنك المركزي الأوروبي لا يفصح عن الأهداف الرأسمالية التي وضعها وحددها للمؤسسات المالية من خلال دوره الجديد كمشرف عليها. جنبا إلى جنب، تشير تلك التطورات إلى أن شراء سندات البنوك يعد أكثر خطورة مما كان يعتقده المستثمرون. عندما تناقش زعماء الاتحاد الأوروبي حول «آلية الحل المنفرد للبنوك»، التي دخلت حيز التنفيذ في شهر أغسطس، ظهرت فكرة «الكفالة الإضافية» للبنك قبل أن يفكر المنظمون حتى بفكرة الإنقاذ كأمر نظري. الآن، بدأت تظهر الطرق التي يمكن من خلالها دخول الفكرة حيز التنفيذ، ولا يوجد ما يمكن للمستثمرين أن يرتاحوا إليه. يخبر البنك المركزي الأوروبي المصارف بشكل سري عن مقدار رأس المال الذي ينبغي عليهم امتلاكه لمواجهة أي صدمات ممكنة. تلك المعلومات ظهرت فقط في إيطاليا، حيث كان يحتاجها منظمو السوق المالية، وبعض المصارف في المملكة المتحدة على أساس طوعي. وأشارت تقديرات فيتش الشهر الماضي إلى أنه قد يكون من اللطيف امتلاك المعلومات بحيث يمكن للمستثمرين تقييم المخاطر الناجمة عن شراء أوراق مالية يحتمل أن تكون مستوعبة للمخاطر، مثل السندات القابلة للتحويل، التي تتحول إلى أسهم عندما يتعرض مستوى منخفض إلى حد معين من رأس المال إلى الإخلال. على أية حال، تكون المصارف مترددة في الإفصاح عن متطلبات رأس المال لكي لا يتم تخويف المستثمرين المحتملين. توشك ألمانيا، في الوقت نفسه، على أن تكون سابقة للدول الأوروبية الأخرى التي سوف تصنع صكوك دين أقل خطورة من السندات «المستوعبة للخسارة»، أيضا. أما الاقتراح المقدم من وزارة المالية فهو أن المستثمرين في السندات المؤمنة ينبغي ألا يعودوا في مقدمة من يحصلون على أموالهم فيما لو فشل المصرف، حيث إن دورهم يأتي بعد المودعين وأولئك الذين يمسكون بالطرف الآخر لعقود المشتقات المالية. وبالطبع، هنالك الحذر بعد رفض النمسا تكريم الضمانات الصادرة لبنك معين من قبل واحدة من مناطقه، كارينثيا، لمبلغ يتجاوز الإيرادات لخمس سنوات. ماذا لو كانت ضمانات الحكومة الأوروبية الأخرى هي الأخرى مهزوزة على حد سواء؟ وفقا للبنك المركزي الأوروبي، في شهر فبراير، 12.7% من إجمالي المطلوبات للشركات المالية في منطقة اليورو، بما في ذلك المصارف، اتخذت شكل سندات الدين، وبلغ ذلك 4.1 تريليون يورو (4.5 تريليون دولار) من السندات، وجزء متزايد من هذا يعد، بحسب لغة المنظمين، «قابلا للإنقاذ». في الوقت نفسه، يوصي مجلس الاستقرار المالي بأن تصدر المصارف الكبرى المزيد من مثل هذه الأوراق المالية لتوليد قدرات إضافية من أجل فرض خسائر على المساهمين إذا سارت الأمور بشكل خاطئ. إن التمسك بالمبدأ التوجيهي ربما سيدفع تكاليف التمويل للبنوك، كما ستفعل المخاطر المتزايدة للاستثمار في السندات المصرفية. حوالي 53% من مطلوبات المؤسسات المالية الأوروبية، أو 17 تريليون يورو، تأتي من الودائع - التي تعد أيضا شكلا مهددا من التمويل بسبب أسعار الفائدة المنخفضة بشكل كبير. لذلك، ما لم تخطط المصارف لتبدأ بالاستغناء عن الأصول (التي ازدادت بما يقرب من 2 تريليون يورو منذ نهاية عام 2013)، فإنه ينبغي على المؤسسات المالية البحث في أماكن أخرى عن تمويل طويل ومتوسط الأجل. إن جهود المنظمين تفسح المجال لعدد قليل من الخيارات عدا زيادة الاعتماد على أموال البنك المركزي، كما فعلت البنوك خلال الأزمات المالية التي تعرضت إليها أوروبا قبل العودة مرة أخرى إلى سوق التمويل. إن ذلك، على أية حال، ليس ما يريده المنظمون: إذ أنهم، بوعي تام، يحاولون جعل البنوك تتراجع، حيث إنهم يطلبون من البنوك أن تعمل على تقليص نفسها. كما ذكر إيف ميرش، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، في خطاب له ألقاه مؤخرا: «توسعت كثير من المصارف بسرعة كبيرة جدا قبل الأزمة وشكلت نماذج للأعمال التجارية لا يمكن دعمها، لذلك فإن فترة من التوطيد تعد أمرا مرغوبا وحتميا. إن هدف جدول الأعمال التنظيمية، الذي ينطوي على جعل المصارف أكثر مرونة والحد من عبء فشل البنك على المجتمع، يعد أيضا مبررا تماما». في استطلاع الإقراض المصرفي الذي أجراه البنك المركزي الأوروبي في يناير، أفادت المصارف الكبرى أنه في الربع الثاني من عام 2014، تقلصت أصولها قليلا كاستجابة للإجراءات التنظيمية، رغم أن معايير الإقراض في البنوك تم تخفيفها إلى حد ما. هذا العام، ربما سيكون التقليص أكثر وضوحا، والمصارف التي لا تفهم إشارة المنظمين سوف تعاني لكي تبقى مربحة. ينبغي على عملاء البنوك الأخرى البدء في استكشاف فرص تمويلية أخرى- أسواق رأس المال، «بنوك الظل» مثل مديري الأصول وصناديق المعاشات التقاعدية - لأن الاقتراض من المصارف سوف يكون أكثر تكلفة، ما يعكس ارتفاعا في تكاليف التمويل الخاصة بهم.