من يظن أنه حر في تصرفاته، عليه أن يعيد النظر في ظنه هذا، لأنه سيصطدم بواقع يرغمه على الاعتراف بأنه ليس حرا في تصرفاته حرية مطلقة، ومن يعتقد أنه يستطيع ارتكاب أمر مشين دون أن يطاله العقاب، فعليه أيضا أن يعيد النظر في اعتقاده لأن الله يمهل ولا يهمل، ومن يتصور أنه يستطيع مخالفة النظام في غفلة من الرقابة العامة، عليه أن يعيد النظر في اعتقاده لأن رقابة الخالق أشد من رقابة المخلوق. قناعات كثيرة وتصرفات مثيرة واعتقادات راسخة لدى بعض الناس بأن السلوك الشخصي هو ملك صاحبه، ولا دخل لغيره بما قد يترتب على هذا السلوك من أضرار خاصة أو عامة، وهذا النوع من السلوك يكاد يصبح ثقافة عامة لدى بعض الناس، وهي ثقافة تتحكم في سلوك الفرد وتزين له سوء عمله، وعندما نقول إنها ثقافة فما ذلك سوى إنها سلوك يمارس كما تمارس العادات والتقاليد، لتصبح جزءا لا يتجزأ من شخصية الإنسان وسلوكه العام، وهي تأخذ صيغة الثقافة إذا قوبلت من المجتمع بالرضا، ودون رفض قاطع وحازم، فالحرية ثقافة، بصرف النظر عن انضباط هذه الحرية بقواعد معينة أو انفلاتها من هذه الضوابط، ولأن هذه الضوابط بما فيها من أنظمة وقوانين وأعراف وتقاليد.. إنما توجه سلوك الفرد، فإن الخروج عليها يصبح خرقا للحياة الطبيعية كما يعيشها المجتمع بقيمه ومثله العليا. وإذا أردنا الدقة فيمكن القول إن عدم الانضباط يؤدي حتما إلى الفوضى، التي لا يدفع مرتكبها الثمن وحده، بل ومعه المجتمع، وغالبا ما يكون الضرر الذي يتحمله المجتمع أشد ضراوة وحدة من ذلك الذي يتحمله الفرد. الحقيقة الثابتة هي أن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، ومن يحاول تجاهل هذه الحقيقة الثابتة، فإن الأيام كفيلة بإثبات خطأ موقفه وبالتالي ردعه عن غيه، لا فرق في ذلك بين زعيم مستبد، أو مدير متغطرس أو فرد يرتكب عملا شائنا ضد المجتمع نحن نرى اناسا يرتكبون أخطاء والإنسان بطبعه يخطئ ويصيب ونسارع إلى تنبيههم إلى هذا الخطأ بصرف النظر عن قبولهم او رفضهم لهذا التنبيه، لكن المشكلة تكمن في تلك الأعمال التي تسيء لغيرهم، وتضعهم في موقف لا يحسدون عليه نتيجة تصرف أرعن، لا يفكر مرتكبه بنتائجه السلبية، لأنه وقت ارتكابه قد تخلى عن عقله إن لم نقل عن إنسانيته، باختياره موقف التعدي على غيره بالقول أو الفعل، كل ذلك باسم الحرية الفردية، وهي حرية أسيء استخدامها، مما يدل على أن من يمارسها بهذا الشكل الخاطئ أحد شخصين، الأول أنه غير أهل لهذه الحرية، والثاني أنه في حالة انعدام الوعي.. فقد فيها عقله السيطرة على سلوكه المعتاد، ليرتكب قولا أو عملا يضعه تحت طائلة العقاب، وهناك حالة ثالثة هي حالة المرض العقلى الذي يستوجب الحجر على صاحبه ليتقي الناس أذاه الذي يرتكب دون قصد.. وهذه حالة لا حيلة لأحد لتجاوزها. لذلك أصبحت الحرية مسئولية في الدرجة الأولى، وإذا أسيء استخدامها من قبل الفرد أو الجماعة، تتحول إلى فوضى عارمة تضيع فيها المقاييس وتغيب عنها الضوابط، فتكون حجة على من يمارسها بأساليب خاطئة، وليست حجة له، وفي التاريخ من الزعماء بل والناس العاديين.. من صور لهم خيالهم أنهم أحرار في سلوكهم، دون النظر إلى ما قد يضر بغيرهم نتيجة ممارسة هذه الحرية، والنتيجة هي اصطدامهم بواقع يثبت لهم العكس، ويلقنهم دروسا قاسية بأن هذه الحرية تنتهي حدودها عندما تبدأ حرية الآخرين، وبالتالي فلا يجوز لهم مهما كانت المبررات أن يتعدى أحدهم على حريات الآخرين، وليس في الوجود من يملك السلطة المطلقة لممارسة الحرية المطلقة ضد غيره، لأن هذا السلوك يعيد البشرية إلى المربع الأول من التخلف وحياة الغاب. زعماء يسيئون استعمال حريتهم الشخصية ضد شعوبهم فيسقطون، ومدراء يمارسون حريتهم الشخصية ضد موظفيهم فتكف أيديهم عن العمل، وأفراد عاديون يمارسون حريتهم الشخصية ضد المجتمع والناس، فيقعون في قبضة العدالة، ومع كل ذلك تستمر الممارسات غير المسئولة، من الكثيرين دون تفكير في العواقب، أو خوف من تأنيب الضمير، وأي ضمائر تضمها جوانحهم غير هذه الضمائر التي صدأت فتآكلت، فحق عليها غضب الله والناس أجمعين. الحقيقة الثابتة هي أن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، ومن يحاول تجاهل هذه الحقيقة الثابتة، فإن الأيام كفيلة بإثبات خطأ موقفه وبالتالي ردعه عن غيه، لا فرق في ذلك بين زعيم مستبد، أو مدير متغطرس أو فرد يرتكب عملا شائنا ضد المجتمع أو أحد أفراده، وعندما نقول إن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، فإن هذا القول لا يعتمد على نظرية فلسفية، بل هو نتيجة تجارب عاشها الإنسان عبر تاريخه الطويل، منذ الأزل، وسيعيشها إلى الأبد، وحتى الفلاسفة الذين نادوا بتبني هذا المبدأ.. إنما استندوا في موقفهم هذا على حقيقة سعي الإنسان للخلاص من عبودية التسلط والاستبداد والظلم، بسبب الحرية المفرطة التي يمنحها أناس لأنفسهم دون سواهم، لتتحول هذه الحرية على أيديهم إلى أداة قمع، بدل ان تكون وسيلة ضمان عزة الإنسان وكرامته. أن تكون حرا.. عليك أن لا تعتدي على حرية الآخر.. بأي شكل من أشكال الاعتداء.